نشر بتاريخ: 2025/12/26 ( آخر تحديث: 2025/12/26 الساعة: 22:59 )

انطلاقة فتح.. وضرورة ولادة جديدة

نشر بتاريخ: 2025/12/26 (آخر تحديث: 2025/12/26 الساعة: 22:59)

الكوفية في كل عام، ومع اقتراب ذكرى انطلاقة حركة فتح، تعود الأسئلة الثقيلة لتطفو على سطح المشهد الفلسطيني، ليس فقط احتفاءً بذكرى الثورة، بل كمناسبة لاختبار صدق الحركة مع ذاتها، ومع جماهيرها التي طالما آمنت بها، فتح التي حملت البندقية والكلمة، والتي قادت المشروع الوطني لعقود، تقف اليوم أمام واقع معقد، ترهقه الانقسامات الداخلية، وتثقله تبعات ارتباطها بالسلطة الفلسطينية، وتربكه صراعات الأجنحة، وتراجع الأداء السياسي والتنظيمي في السنوات الأخيرة.

في مشهد باتت فيه الحركة مثقلة بتجاذبات الشللية والمصالح، لم يعد الانقسام داخل فتح مجرد اختلاف في الاجتهاد أو تنافس مشروع، بل أصبح أحد مظاهر التآكل الداخلي الذي إن استمر، فسيهدد ما تبقى من حضورها التاريخي، لذلك، جاء إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن العفو العام كما أسماه عن المفصولين، خلال القمة العربية، كمبادرة أثارت الكثير من التفاعل، وفتحت باب الأمل بترميم بعض ما انكسر، وقد مثلت عودة القيادي ناصر القدوة إلى صفوف الحركة إشارة مهمة، لكنها لا تكفي وحدها لمعالجة عمق الأزمة، ما دام مصير المئات من كوادر وقيادات تيار الإصلاح الديمقراطي بقيادة النائب محمد دحلان لا يزال مجهولًا، وكأن هناك من يريد إعادة إنتاج الانقسام بدل معالجته.

الخطورة هنا لا تكمن فقط في غياب التسامح السياسي، بل في استمرار إدارة الحركة بعقلية الإقصاء، وغياب رؤية تنظيمية تتسع للجميع، وهو ما يتناقض مع تاريخ فتح الواسع وتعدديتها التي شكلت دائمًا مصدر قوتها، الأكثر إيلامًا أن هذا الانقسام لم يكن ليتعمق بهذا الشكل لولا التحول التدريجي في طبيعة فتح من حركة تحرر وطني إلى ذراع مرتبطة بشكل وثيق بمؤسسات السلطة الفلسطينية، بما لها وما عليها، هذا الارتباط، رغم ما وفره من حضور رسمي، إلا أنه جرّ على فتح انتقادات واسعة، وجعلها تدفع أثمانًا سياسية وتنظيمية باهظة نتيجة سلوكيات بعض مسؤوليها، وغياب الفصل بين ما هو حزبي وما هو سلطوي.

إن واحدة من أكبر المظالم التي تواجهها الحركة اليوم، هي شعور كثير من أبنائها، خصوصًا في قطاع غزة، بالتهميش، حيث يتم استدعاؤهم عند كل استحقاق انتخابي كرقم انتخابي فقط، ثم يُعاد إقصاؤهم بمجرد انتهاء المهمة، فتح التي انطلقت من قلب كل فلسطيني، والتي قاتلت باسم الجميع، لا يمكن أن تستعيد عافيتها إلا إذا أنصفت أبناءها في كل مكان، وتحديدًا في غزة التي كانت دومًا خزانها النضالي وبوابتها إلى الشارع.

لقد آن الأوان لانتفاضة داخلية حقيقية في فتح، انتفاضة تنظف البيت من التكلس، وتعيد تعريف الهوية، وتؤسس لمسار جديد يُنهي ثقافة الولاء للشخص أو المسؤول، ويعيد الاعتبار للبرنامج، وللمؤسسات، وللأخلاق التنظيمية، العقلية الأمنية التي تسللت إلى إدارة الحركة يجب أن تتوقف، والمكان الطبيعي للفتحاوي يجب أن يكون في موقع التأثير لا التهميش، في قلب القرار لا على هامشه.

بمناسبة إقتراب ذكرى الانطلاقة، لا نحتاج مزيدًا من الشعارات، بل نحتاج شجاعة المراجعة، وصدق الاعتراف، وجرأة التغيير، فتح التي نحبها وننتمي إليها، لا تستحق أن تُقاد بغير الحلم الذي تأسست عليه، ولا أن تُدار بغير العدالة والكرامة والمشاركة، فتح أقوى بوحدتها، أصدق حين تعترف بأخطائها، وأقرب إلى الناس حين تخرج من جلباب السلطة وتعود إلى جذورها الثورية.