التنصت والمتنصتون
عدلي صادق
التنصت والمتنصتون
لا موجب لغضب الصديقين ماجد أبو شمالة وأشرف جمعة، ولا لغضب الأخ توفيق الطيراوي، من موضوع التنصت على هواتفهم. ففي العهد العباسي الأسود المُخزي، لهم العزاء في اثنتين، الأولى أن التنصت يشمل كل من له رأي أويُتوقع منه نقد، والثانية أن التنصت عليهم لا يعدو كونه في مستوى تنصت الجارة على جارتها لمقاصد سخيفة، وإلا ما هو معنى أن يتحدث تقرير عن سفر نائبين في المجلس التشريعي، وثالث محترم، يسافر مع زوجته؟
أما الذي ينبغي أن نغضب له جميعاً، فهو ما قاله اليوم "غال بيرغر" المراسل العسكري لإذاعة "ريشت بيت" العبرية، عن المطاردة المشتركة للشهيد أحمد نصر جرار، وإسهام قوى أمن السلطة الفلسطينية في 80% من المعلومات التي أوصلت العدو الى الشهيد، وذكر العناوين والمهام!
معلوم أن المتنصتين لخدمة كيديات عباس وإدامة خصوماته، لهم أهدافهم في الضفة وفي غزة، حيث يؤججون النعرات ويلتقطون الأوغاد الذين يصلحون كمخبرين وقصاصي أثر، لخدمة أهداف أخطر وأعقد، في سياق ما يسمونه "التنسيق" الأمني!
وهؤلاء، عندما يؤججون خصومات عباس، يختلقون دواعي الإقصاء، فيُحرم الغزيون الذين تبقوا في وظائفهم في رام الله، من البقاء في وظائفهم، بذرائع كاذبة، كالعلاقة مع التيار الوطني الفتحاوي الإصلاحي، بينما هم في الواقع ليسوا على علاقة، وخير من يعرف ذلك المتنصتون أنفسهم!
أخونا توفيق الطراوي، طرح بأنه تقدم بشكوى للنائب العام، لمقاضاة المتنصتين، وربما حفّزه على ذلك، الإعلان الجديد قبل أيام عن وجود التنصت الشامل على مكالمات الموالين وأعضاء مركزية عباس بعد الهمروجة التي أسموها مؤتمراً عاماً وسابعاً لحركة فتح!
ومن المفارقات، أن هؤلاء المتنصتين، لا يجرؤون على التنصت على مكالمات شلومو وأستير، أي على زوج وزوجته من اليهود الصهاينة، وإنما يريدون أن يعرفوا أن النائب المحترم يحيى شامية قد سافر مع زوجته أم سافر منفرداً، وأنه في أية ساعة سيكون في صالة المعبر، وهذه معلومات لو إنهم أوصلوها للعدو، فسيتكفل بتوبيخهم قائلاً: كم أنتم صغاراً وتافهين. فليس هذا الذي نريده منكم أيها المفلسون.
ربما يقولون عن كل الذين سيتوقفون عند حديث المراسل العسكري لإذاعة "ريشت بيت" العبرية؛ أنهم يستندون الى معلومات إسرائيلية، على الرغم من كونهم ينتظرون من بعض الأشد جنوناً وتطرفاً من ساسة العدو، الإعلان عن تطيره من عباس وكراهيته له، لكي تنشأ لعباس فضيلة وهمية، يستندون اليها للإعلاء من شأنه، علماً بأن المتطرف عندما يذم عباس، يكون إما مُوحى له ضمن تفصيلات اللعبة والخديعة، أو إنه يندفع على قاعدة رفضه وتطيره من وجود كل الفلسطينيين على أرض وطنهم!
توفيق الطيراوي يعرف أن التنصت عليه وعلى غيره، بدأ منذ سنين طويلة. والغالبية العظمى من المشتغلين في العمل الفلسطيني العام، يتصرفون وفي أذهانهم أن مكالماتهم مسجلة. فهذه واحدة من ثوابت سلطة عباس، ومنها يستقي عباس خارطة الطريق في علاقاته وقراراته. فالرجل يتوهم أنه قوي ويسيطر ويعرف، وكلما تدخل أحد المقربين له لإنصاف مظلوم، يجيبه قائلاً: أنا الذي أعرف وأنت لا تعرف"!
إن هؤلاء الذين ابتلي بهم شعبنا، محتقرون على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي. وإن كنا نعلم لماذا يحتقرهم الشعب الفلسطيني، فلا نعرف كل أسباب احتقار العدو لهم. في ذهننا سبب واحد، وهو تعويدهم على احتمال البصاق في وجوههم، لكي تكون سحناتهم سميكة لا يؤثر فيها بصاق، فيواصلون مهمتهم!