أوراق إسرائيلية..
"إسرائيل" في الطريق إلى النظام الدكتاتوري
بقلم: مردخاي كرمنتسار
"إسرائيل" في الطريق إلى النظام الدكتاتوري
النية التي أظهرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الكنيست ياريف لفين (الليكود)، قبل أيام، لإجراء إصلاح على صورة تعيين القضاة، تعكس ازدياداً كبيرا في محاولات المس بالسلطة القضائية. دعا لفين الى «تغيير أساسي وحقيقي في جهاز القضاء»، بحيث يشمل تعيين قضاة من قبل السلطات السياسية. يدور الحديث عن تصفية لجنة تعيين القضاة، ونقل تعيين القضاة الى الحكومة، وإعطاء تفويض للكنيست من اجل تعيين رئيس المحكمة العليا.
إن نية تشريع فقرة الاستقواء غير جديدة، واقتراحات كثيرة تم طرحها خلال سنوات لتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة أو تقليص صلاحيات المحكمة. ولكن الاقتراح الجديد أكثر راديكالية، ويراهن على كل الصندوق، وعلى محاصرة الملكة في مكانها. إذا تحقق ذلك فسيكون بالإمكان، على الأقل بعد فترة، التنازل عن فقرة الاستقواء. السلطة تكون بحاجة الى فقرة الاستقواء عندما يكون هناك ما يمكن التغلب عليه، أي عندما تكون هناك احكام تنص على أن تعليمات القانون تناقض قوانين الأساس أو مبادئ الطريقة القضائية (كان هناك 20 حكما كهذا في الـ 25 سنة الأخيرة). تعيين القضاة من قبل الحكومة استهدف ضمان أن لا يكون هناك أحكام كهذه، حيث إن الحكومة ستعين فقط «رجالها» ومن يفكر مثلها وحسب رؤية وزيرة العدل السابقة، اييلت شكيد، ومن يواصلن دربها: عضوة الكنيست اوسنات مارك والوزيرة ميري ريغف.
جهاز قضاء فخم بني بجهد كبير منذ قيام الدولة يمكن أن يتم تدميره بجرة قلم من خلال عملية تشريعية في الكنيست. هذا ليس جهازاً كاملاً ونظيفاً من العيوب، ولكن لا يوجد جهاز حكومي كامل. ومن اجل أن يكون الجهاز القضائي جديرا بتسميته بهذا الاسم يجب عليه أن يتميز بالمهنية والاستقلالية. لا توجد أهلية للحكومة كي تقرر من الجدير بمنصب قضائي ومن هي القاضية التي تستحق الترفيع. في جهاز يتم فيه تسييس كامل في تعيين القضاة لا يمكن أن يكون هناك عدم اعتماد قضائي، حيث إن كل من يريد أن يتم انتخابه أو تعيينه يجب عليه إثبات إخلاصه للحكومة. ليس الإخلاص للقانون والعدل هو الذي سيوجه سلوك القضاة، بل الاخلاص السياسي لخط الحكومة والاخلاص الشخصي لمن سيعينهم.
إذا تحققت نية «الليكود» فستقوم إسرائيل بخطوة حاسمة في الطريق التي تسير فيها منذ زمن: مسار تبني نظام سياسي – استبدادي – قومي متطرف، مثل الموجود في هنغاريا وبولندا، والابتعاد عن الدول الديمقراطية السليمة. في هذه الديمقراطيات، مثل بريطانيا، التوجه هو بالتحديد تقليص العنصر السياسي في انتخاب القضاة وزيادة الأساس المهني.
«تتميز» إسرائيل بضعف واضح في جهاز التوازن والكوابح السلطوية. لا يوجد لدينا فصل حقيقي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولا يوجد بيتان يقومان بالتشريع، ولا يوجد فصل للسلطات بين المستوى الفيدرالي والمستوى المحلي مثلما يوجد في دول فيدرالية، ولا يوجد رقابة قضائية فوق محلية من النوع الذي تخضع له دول اوروبا، الأعضاء في الميثاق الأوروبي لحقوق الانسان. ويجدر التذكير ايضا أنه لا يوجد لدينا دستور، وحتى قانون الأساس: كرامة الانسان وحريته، لم يكن بالإمكان تمريره لو تم تضمين الحق في المساواة فيه، بسبب معارضة الاحزاب الدينية.
حراس العتبة، الذين لعبوا دوراً مهماً في الماضي، مثل مراقب الدولة ومفوضية خدمات الدولة، مروا بإضعاف واضح عبر التسييس في تعيين من يقفون على رأس هذه الأجهزة. كل ضبط النفس هذا ملقى على عاتق السلطة القضائية.
تحويل السلطة القضائية الى سيرك لمهرجين يقولون نعم، سيسمح بوجود حكم غير مقيد، سيعتبر خطرا كبيرا على حرية الانسان وحقوقه، هذا الحكم سيمكن من الفساد بدون قيود وحدود. من المدهش والمثير للقشعريرة أن رئيس الحكومة المتهم بمخالفات جنائية خطيرة يسمح لنفسه بالعمل على القيام بتشكيل جهاز القضاء على صورته، لصالح مصالحه الشخصية والحزبية، وضد مصالح الجمهور. من الواضح أنه اذا حدث تسييس كهذا في مكان يجب أن تكون فيه حراسة مشددة – المحاكم – فلن يتوقف عند هذا الحد، وسيمتد الى نظام الحكم كله –المسؤولين عن سيادة القانون وكل من هم في الخدمة العامة.
بدلاً من أن يخضع نظام الحكم للقانون مثلما يجب في دولة قانون، سيتم إخضاع القانون لنظام الحكم ويصبح أضحوكة، هذا التسييس سيمكن من توزيع الوظائف بصورة متوحشة وغير منضبطة، وعلى نطاق واسع، على أشخاص ميزتهم الوحيدة هي الإخلاص للشخص الذي يقوم بالتعيين. هكذا سيكون بالإمكان توسيع «القاعدة» الحزبية عبر اشخاص توجد لهم مصالح واضحة في تخليد سلطة الحزب.
هذه الخطوات تقوم على افتراضات أساسية غير ديمقراطية. أولا، فقط «نحن»، اليمين القومي المتطرف والديني، نمثل الشعب الأصيل. لا يوجد مكان ولا توجد شرعية لآخرين، توجد لهم رؤية أو مقاربات مختلفة بالنسبة لإرادة الشعب ومصالحه. لذلك، يجب قمع وإسكات أي موقف آخر، ومنع أي انتقاد، رسمي أو غير رسمي. ثانياً، بسبب ذلك فان نظام الحكم خصص فقط لنا ومن أجلنا. ومن أجل ذلك يجب ضمان فوزنا، بكل السبل، في الانتخابات، مثلاً عن طريق رشوة الناخبين وبث مشاعر العداء والكراهية تجاه معارضينا الذين هم أعداؤنا. واذا خسرنا في الانتخابات فسنقوم بالتنكر للخسارة، لهذا فإن التفكير بأن يكون آخر في الحكم لا يخطر بالبال. عندما لا تتم تلبية طلبنا (مثلما حدث في تعيين القضاة الأخير) فنحن نقوم بتحطيم الأدوات ولا نلعب. وبعد ذلك نذهب للتباكي كضحايا ساذجين، حتى الى المحكمة العليا المشينة في عيوننا.
من المثير للقشعريرة التفكير كيف ستبدو الحملة الانتخابية اذا وضع رئيسها على كفة الميزان، وسيتنافس اليمين على مَن مِن داخله سيملك الطعام الأكبر. عند سقوط الحصن الأخير، المحكمة، ستخضع المواطنة والمواطنين لتعسف واستبداد الحكومة، ولن يكون أمامهم أي مخلص. لذلك، لا بد من الانتظام من اجل الدفاع عن حصن سيادة القانون بلا هوادة. ليس من اجله، بل من أجلنا.
عن «هآرتس»