انتخابات مصيرية
بقلم: ألون بنكاس
انتخابات مصيرية
صحيح ودقيق وصف الانتخابات في الولايات المتحدة بالاستفتاء الشعبي على دونالد ترامب رئيساً، وأكثر من ذلك على دونالد ترامب انساناً. صحيح ودقيق بقدر لا يقل تأطير هذه الانتخابات كانتخابات حاسمة وتاريخية. ومع ذلك، يخيل أن انتخابات 2020 حاسمة أكثر من كل سابقاتها. والسبب هو أن هذه حقا هي انتخابات على صورة أميركا والاتجاه الذي تسير نحوه. انتخابات آثارها كفيلة بان تعرف أميركا بحجم لم يكن قائما منذ الانتخابات التي سبقت الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر.
في نظر أحد الجانبين فإن ترامب هو شخص منفر وحقير. رجل عديم المسؤولية وفاشل، في ظل التنكر والاستخفاف الظاهرين والفظين في معالجة وباء «كورونا»؛ الذي ربما يكون الفشل الأكبر في تاريخ الرئاسة.
يرون فيه كذابا مواظبا، مزيفا لمعطيات عضال، عنصريا، مزاجيا، فظا، جاهلا، عديم المعرفة، يتنكر للعلم ويستخف بالمختصين في كل مجال، من الأمن القومي، إلى علم الأوبئة وحتى المناخ. نرجسي عديم التعاطف مع الغير، متهرب من الضريبة، لفق حياة مهنية «ناجحة» في الأعمال التجارية، مناهض للديمقراطية، متزلف للدكتاتوريين الذين يريد أن يتشبه بهم، مفكك للنظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة، أدارته، وحافظت عليه منذ العام 1945.
في نظر الجانب الآخر، الذي يشكل نحو 45 في المئة من أميركا، هذا رجل يقول ما في قلبه، يكافح ضد وسائل الإعلام المعادية وذات نزعة القوة، والتي تعبر عن الغضب المتراكم في أميركا لعشرات السنين، وهو غير مستعد ليستقبل ملايين المهاجرين، لا يتعاطف مع الافروأميركيين والهسبانيين، يمقت الموظفين العامين و»الدولة العميقة» التي تقرر أو توقف السياسة حسب قيمها. يكره النخب المغرورة التي تعرف اكثر من الجميع، وهو يقاتل في سبيل قيم أميركية نووية، «قيمنا»، نحن الذين نسونا والقوا بنا الى قارعة الطريق. وهو ليس عبدا مطيعا لـ «السلامة السياسية»، لا ينحني أمام الصين ويفهم بأنه يركض نحو التكامل الثقافي (نسونا ونسوا أميركا البيضاء).
تنير هذه الانتخابات بضوء قوي وبنظرة عمومية الصدع الكبير في أميركا، الصدع الذي يتشكل ويتسع منذ بضعة عقود. على طول وعرض أميركا يقف اليوم ائتلافان انتخابيان يعكسان أمتين استقطابيتين.
من جهة «ائتلاف التحول» الذي يرى نفسه محدثا لتحولات ووكيلا لتغيير أميركا. هذا هو الأغلبية في أميركا 2020، وعليه فان جو بايدن سيحظى بنحو 10 ملايين صوت أكثر دون صلة بمسألة «المجمع الانتخابي».
هذا ائتلاف متعدد العروق والثقافات، مع سيطرة للنساء المتعلمات. وهو يتشكل من البيض، السود، اللاتينيين، الاسيويين واليهود. معظمهم سكان مدن كبرى من 750 الف نسمة فأكثر. وهم يؤيدون الهجرة المنضبطة، حق المرأة في جسدها، متسامحون مع كل ميل في النوع الاجتماعي، حساسون لحقوق الانسان والمواطن، يريدون ان يروا بلادهم مدينة منيرة على التلة ومنارة للعالم كله. بعضهم رجال وسط، بعضهم محافظون في مواضيع معينة، بعضهم يعرّفون أنفسهم «تقدميين»، وكلهم ليبراليون بالمعنى العميق للكلمة.
أمامه يقف «ائتلاف العودة»، ائتلاف الحفظ والاستعادة. النهج: يأخذون منا «أميركا خاصتنا»، وسنعيدها. هذه أميركا البيضاء، المسيحية، من الطبقة الوسطى – الدنيا والدنيا، عمال بنى تحتية واقتصاد، تكره الحكم. بعضهم افنجيليون، بعضهم اعضاء في ميليشيات مسلحة، معظمهم أميركيون أخيار تتغير أميركا امام عيونهم وهم يبقون في الخلف. هم يسكنون في البلدات وفي القرى في أرجاء الولايات المتحدة، ويشعرون بان العالم الحديث، متعدد الثقافات، يهددهم ويغلق عليهم.
واحد من هذين الائتلافين سينتصر في المعركة، ولكن هذه مواجهة لن تنتهي مع إحصاء الأصوات وتحليلها. هذا صراع طويل على الدولة الأهم في التاريخ والتي تضطر لتعرف نفسها من جديد.
«يديعوت».. عن الايام