نشر بتاريخ: 2020/10/30 ( آخر تحديث: 2020/10/30 الساعة: 16:13 )
بقلم: يوسي ميلمان

"هآرتس".. لجنة شمغار: قصة الفشل الأكبر في تاريخ "الشاباك"

نشر بتاريخ: 2020/10/30 (آخر تحديث: 2020/10/30 الساعة: 16:13)

في الساعة الثانية فجراً يوم 5 تشرين الثاني 1995، دخل حاجي طال من باب قسم «إسرائيل والأجانب» في مقر «الشاباك» في شمال تل أبيب.

طال، رئيس فرع العمليات في وحدة حماية الشخصيات المهمة، وفعلياً هو ضابط الاستخبارات فيه، التقى مع حيزي كالو، رئيس القسم. «صحيح، لقد أبلغت وأنتم عرفتم ذلك»، قال له كالو كمن يبدو مستعداً لما سيأتي، ويريد أن توثق هذه المقولة على الأقل في الذاكرة.

كان هذا بعد بضع ساعات على قتل رئيس الحكومة، إسحق رابين، والتقارير التي كان يقصدها كالو هي معلومات تم جمعها عن يغئال عمير في السنوات التي سبقت عملية الاغتيال، وهي معلومات لم يتم استغلالها بصورة جيدة.

كان اسم يغئال عمير معروفاً لرجال الوحدة اليهودية في القسم منذ زمن. في قائمة بأسماء أعضاء اليمين المتطرف، منهم حاخامات وقادة جمهور استيطاني ممن عارضوا اتفاقات أوسلو وأملوا في موت رابين، ظهر اسم يغئال عمير.

مشاركته في التظاهرات ومحادثات شخصية ولقاءات ليلية عشية أيام السبت في المستوطنات لم تكن سرية على الأقل بالنسبة للوحدة. وقد قام بالتملص من الرادار في تلك الليلة.

عرف جميع المدراء الكبار في «الشاباك» أن هذا هو الفشل الأكبر في تاريخ «الشاباك»، الذي ما زال يدوي حتى الآن بعد مرور 25 سنة على ذلك.

سرعان ما بدأت الإجراءات للكشف عن المذنبين. فحص داخلي في الجهاز وإلى جانبه عنوان «لجنة تحقيق رسمية برئاسة رئيس المحكمة العليا المتقاعد مئير شمغار، على خلفية محاولة فهم ما الذي حدث ولماذا، كان من الطبيعي أيضا أن يفكر رجال «الشاباك» كيف يمكنهم الاهتمام بأنفسهم وتقليص مسؤوليتهم. وقد حاولوا التمسك بكل معلومة صغيرة ترفع، أو على الأقل تقلص، مسؤوليتهم عن الفشل الكبير.

منذ البداية كان من الواضح أن هناك جسمين أساسيين يجب أن يكونا محط التركيز: الأول هو قسم الحماية (الذي يشمل وحدة حماية الشخصيات المهمة)، والذي كان يترأسه درور إسحق، الذي لم ينتظر استنتاجات اللجنة وبخطوة نادرة سارع إلى الاستقالة بعد فترة قصيرة من الاغتيال. الثاني هو قسم إسرائيل والأجانب برئاسة كالو، الذي كانت تعمل تحته الوحدة اليهودية، التي كان مسؤولاً عنها إيلي براك.

بدرجة معينة يمكن القول إن استنتاجات لجنة شمغار كانت مفاجئة. فمن جهة قررت اللجنة أن رئيس «الشاباك»، كرمي غيلون، وقسم الحماية فشلا (ضد رؤساء «الشاباك» وعدد من الأشخاص غير المهمين الذين بقوا في الجهاز، تم استخلاص عبر شخصية أدت إلى استقالتهم أو إقالتهم). من جهة أخرى، خرج قسم إسرائيل والأجانب دون أن يمسه أي سوء. وهذا هو القسم الذي عملت فيه الوحدة اليهودية، التي جند رجالها عملاء في اليمين المتطرف، وقاموا بتشغيلهم، وحللوا المعلومات التي زودوهم بها.

بعد مرور 25 سنة على قتل رابين، عادت «هآرتس» إلى استنتاجات اللجنة تلك، وسألت لماذا لم يتضرر رجال الاستخبارات؟

 

استنتاجات لجنة شمغار

عن تصنيف المواد التي تم نقلها للجنة شمغار كان هناك شخصان من رجال الوحدة اليهودية في «الشاباك» – م.ج الذي قام بتشغيل افيشاي رفيف وع.ش. أجل، أعضاء القسم الذي تم تسليط الضوء عليه كانوا هم من قرروا ما هي المواد ذات الصلة بالنقاشات وما هي المواد التي ليس لها أي صلة.

هذا العمل حتى لو كان قانونياً تماماً من شأنه أن يثير الشك إذا كانت هناك وثيقة أو وثائق لم تصل إلى اللجنة. وربما كان يمكنها أن تلقي ضوءًا جديداً على التحقيق.

من وصل إلى اللجنة كان حاجي طال. وشهد هناك على مذكرة كتبها قبل ثلاثة أشهر من القتل، كتب فيها أن «إمكانية أن ينفذ اغتيال سياسي في البلاد تبدو اليوم واقعية أكثر مما كانت في الماضي. العدو المحتمل موجود، في مكان ما في إحدى مستوطنات يهودا والسامرة أو في غوش دان أو في نيويورك». هذه المذكرة تبين لاحقا أنها حفظت من قبل رئيس وحدة حماية الشخصيات المهمة، بني لاهف.

في هذه الأثناء، في شباط 1996، نشرت لجنة شمغار الاستنتاجات الأولية لها – من بينها حذرت عدداً من العاملين بأن من شأنهم أن يتضرروا من استنتاجاتها.

من بين هذه الأسماء كان غيلون، بني لاهف، يحزكيلي، وعدد من الموظفين الأصغر.

لم يتم ذكر اسم ايلي براك، وتمت تبرئته في هذه المرحلة من كل التهم، الإهمال، أو الأداء غير السليم. غيلون، الذي أوضح قبل ذلك أنه ينوي تقديم استقالته، فهم الإشارة وقام بترك وظيفته.

في الشهر التالي نشرت لجنة شمغار تقريراً سميكاً تضمن استنتاجاتها النهائية.

إلى جانب توصيتها بعزل لاهف (الذي تم بالفعل)، وعدد من رجال الحماية الذين أهملوا في عملهم، فإنها برأت كالو من أي مسؤولية. حيث قررت فعليا بأن الفشل كان في الحماية وليس فشلاً استخبارياً.

أيضا ضابط الشرطة الوحيد الذي تمت معاقبته، العميد يعقوب شوفال، كان مناسباً لهذا القالب. فقد كان قائد لواء اليركون والمسؤول عن قوات الشرطة في الاعتصام. قررت اللجنة أنه لم يحافظ على المنطقة بصورة كاملة، ولم يشرف على عمل رجال الشرطة.

ولكن طوال السنين فإن عدداً لا بأس به ممن تركوا الخدمة اعتقدوا أن اللجنة أخطأت وتصرفت بشكل لين مع رجال الاستخبارات.

أحد هؤلاء هو عامي ايلون، الذي استبدل غيلون في رئاسة الجهاز. «الفشل الاستخباري ليس أقل خطورة من فشل الحماية»، قال في مقابلة مع «هآرتس». «لا أنظر إلى ما حدث من جوانب جنائية وقانونية. أفحص الأمر من ناحية مهنية، وقد تم ارتكاب أخطاء كانت تحتاج إلى تغيير». أقوال بهذه الروحية قالها أيضا غيلون.

في مقابلات مختلفة وفي سيرته الذاتية قال إنه يتحمل المسؤولية القيادية، ولكن لجنة شمغار لم تفحص كما يجب القضية. «الفرصة الكبيرة الضائعة»، هكذا سماها. وحسب رأيه لم تتم معالجة المشاكل الأساسية للخلفية والظروف التي أدت إلى القتل: تحريض حاخامات وسياسيين من اليمين (منهم أرئيل شارون وبنيامين نتنياهو – كاتب المقال)، وعدم امتثال منظمات اليمين المتطرف للشرطة والجيش وأحكام الشريعة للحاخامات. حسب رأيه ركزت اللجنة فقط على «تكنولوجيا الحماية».

 

خطر الذئب المنفرد

وما الذي لم تركز عليه؟ على الوحدة اليهودية، مثلاً. في تلك الأيام تم توسيعها من قسم إلى لواء، كواحدة من عبر المذبحة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي (عبرة أخرى كانت توطيد العلاقة بين «الشاباك» والجيش).

القرار اتخذه إيلي براك عندما تسلم وظيفته في نيسان 1995، بعد أن حل محل إسحق بنتك.

«زادت تلك العملية من حدة قضية الذئب المنفرد. المشكلة الرئيسة لنا في ذلك الوقت»، أكد مصدر رفيع سابق في «الشاباك».

«العثور على منفذ الهجوم المنفرد على خلفية المناخ الصعب للتحريض، والفتاوى بشأن الملاحق التي أصدرها الحاخامات. «الكثيرون أملوا الموت لرابين»». أيضا غيلون منذ العام 1990 حذر من خطر الذئب المنفرد، وهذا التحذير أنهى حياته المهنية.

في القسم اليهودي عمل حتى ذلك الحين خمسة من المركزين، كل واحد منهم كان يشغل 8 – 10 عملاء، قسم منهم عملوا أمام أهداف في منظمات مثل حركة كاخ أو أمناء جبل الهيكل. جند براك ستة مركزين آخرين اجتازوا دورة خاصة، وطور نوعية تشغيلهم.

عدد من العملاء الذين تم تجنيدهم كانوا حاخامات، وكان من بينهم رئيس مدرسة دينية، ممن وافقوا على التعاون لدوافع إيديولوجية تتعلق بـ «منع سفك الدماء والحرب الأهلية».

إلى جانب الحصول على مقابل مادي، قدموا تقارير عن المزاج العام في اليمين المتطرف.

في كل الأقوال عن يغئال عمير، أصبح من الواضح أنه لا توجد حاجة إلى عملاء ومعلومات سرية لتحديد مكانه والتعرف إلى نواياه. لقد سلمها طوعا. هنا دخل إلى الصورة شلومي هليفي، وهو مسؤول استخبارات متقاعد.

في تلك الأيام تعرف إلى رجال من اليمين المتطرف، وتواصل معهم اجتماعياً. من بين أشخاص آخرين، مرغليت هار شيفي، طالبة الحقوق ابنة الـ 19 في جامعة بار إيلان، وابنة عائلة متميزة من المستوطنين. أصبحت هار شيفي صديقة يغئال عمير، الذي كان يتعلم الحقوق معها، وشارك معها في تظاهرات، وجاء معها إلى أيام سبت في المستوطنات. كما يبدو، كان مغرماً بها. قبل نصف سنة على عملية القتل أبلغت مرغليت هليفي بأنها سمعت عمير وهو يلقب رابين بالخائن، ويضيف إنه «يجب قتله».

أبلغ هليفي قادته في القيادة الوسطى عما سمعه من مرغليت شيفي (التي بعد ذلك تم سجنها بسبب عدم منع جريمة).

مع ذلك، لم يكشف اسمها. أكثر من ذلك، أعطى قصة تمويه. حسب القصة فإنه في حزيران 1995 دخل إلى غرفة المراحيض في المحطة المركزية في القدس، وهناك سمع بالصدفة محادثة بين شخصين.

حسب قوله، تحدثا عن «اليميني الصغير» الذي يريد قتل رابين ويوجد لديه مسدس.

بهذه الصورة أو تلك، وصلت معلومات هليفي، فوراً، إلى ضابط الاستخبارات أمنون سوبرين الذي نقلها هاتفيا إلى إيلي براك. وقد شكره الأخير وقال له إنه يوجد المزيد من المعلومات عن عملية قتل.

أما استجواب هليفي فقد حوله إلى شرطة إسرائيل. وعندما حضر هناك كرر قصته. كتبت الشرطة تقريراً وحولته لبراك.

بعد ذلك تبين أن هذا التقرير تم حفظه في الأرشيف، وكان يشكل معلومة أخرى من آلاف المعلومات التي وصلت في حينه عن نشطاء يمين متطرفين وتهديدات ضد رابين.

لم تعثر لجنة شمغار على دليل بأن رفيف علم مسبقاً بنية قتل رابين.

في البداية لم يشعر أيلون أيضا بأي حاجة لاتخاذ خطوة معينة ضده. «وافقت على رأي «الشاباك» بأنه يجب عدم تقديم رفيف للمحاكمة؛ لأنه يجب علينا حماية المصدر»، أكد.

ولكن عندما ازدادت نظرية المؤامرة حول مشاركة «الشاباك» ورفيف في عملية القتل، قام بتغيير رأيه.

«أردت إنهاء الشائعات من إجل استعادة ثقة الجمهور بالجهاز»، أضاف أيلون. رفيف تم تقديمه للمحاكمة، وفي العام 2003 تمت تبرئته في محكمة الصلح في القدس من كل التهم، بما في ذلك تهمة عدم منع القتل.

رفض كرمي غيلون إجراء المقابلة من أجل هذا المقال. وقال للصحيفة: «استنفدت النقاش في هذا الأمر».

أيضاً براك وكالو رفضا إجراء المقابلات معهما. وسينشر كالو قريباً كتاباً عن حياته، خاصة عن قضية عملية القتل.

وعندما سئل أيلون هل حسب رأيه كالو وبراك كان يجب عليهما الاستقالة، رفض الإجابة.

 

عن «هآرتس»