تهديد وجودي: إسرائيل تتفكك من الداخل
بقلم: يوسي ميلمان
تهديد وجودي: إسرائيل تتفكك من الداخل
«يوجد شيء معين في ما يقوله»، هذا ما قاله لي - وأنا لا أعرف إذا كان بانفعال وخوف شديد - عيزر وايزمان في العام 1988 اثناء تطرقه لأقوال الرئيس السوري، حافظ الأسد.
كان وايزمان في حينه وزيرا بدون حقيبة في حكومة الوحدة الوطنية ذات الرأسين والمكونة من شمعون بيريس واسحق شامير.
وأيد الاعتراف بـ م.ت.ف وإجراء مفاوضات السلام. الأسد شبه الصليبيين عبر حملات احتلالهم في «ارض إسرائيل» بالصهيونية وبدولة إسرائيل.
بهذا أراد الأسد أن يقول إن وجود الصليبيين في البلاد كان مؤقتا وتمركزهم فيها كان ضعيفا. بعد مئة سنة تقريبا، في العام 1187، تمت هزيمتهم في معركة حطين قرب طبرية على أيدي القائد العسكري، صلاح الدين الأيوبي. ومنذ ذلك الحين، وبالتدريج، تم طردهم بالتدريج إلى أوروبا التي جاؤوا منها.
لم يكن الأسد هو الوحيد الذي استخدم هذه المقارنة التاريخية. فقد كانت نوعا من تعزية النفس من قبل العرب على عجزهم وفشل جهودهم في هزيمة إسرائيل، وهي لم تنتشر فقط في السياسة، بل ايضا في الأدب والتاريخ العربيين في سنوات الخمسينيات والستينيات. وبالنسبة لهم، أنتم الصهاينة نبتة غريبة ونهايتكم الاختفاء مثل الصليبيين.
أيضا في الرواية الإسرائيلية في تلك السنين، فيما يشبه صورة المرآة، كان هناك من كتبوا وناقشوا الذاكرة الصليبية. الشاعرة داليا رابيكوفيتش كتبت في العام 1966 قصيدة بعنوان «حطين»، يقول البيت الأخير فيها: «لم تكن لديهم مملكة بعد/ لم تكن لديهم حياة أو قدس/ كم كان الصليبيون متوحشين وساذجين/ لقد نهبوا كل شيء».
كان الخوف الإسرائيلي من هشاشة الوجود في الدولة الصغيرة، المحاطة بعالم مسلم ومعاد.
ومن سحرته ممالك الصليبيين ومصيرهم وانشغل بدرجة غير قليلة بالمقارنة، كان اوري افنيري. في الكثير من مقالاته في «هعولام هزيه» اقتبس افنيري من الكتاب الضخم للمؤرخ البريطاني (الاسكتلندي) السير ستيفن رينزمان بعنوان «تاريخ الحروب الصليبية».
المقارنة مغرية. كان الصليبيون غزاة من أوروبا، مفعمين بالايديولوجيا والايمان الديني، واحتلوا البلاد بقوة السلاح، وأقاموا ممالك مسلحة، ومثلوا ثقافة غربية في قلب الشرق الإسلامي، وحاولوا، لكنهم وجدوا صعوبة في الاندماج في محيطهم، وأُنهكوا مرة تلو الأخرى في معارك، وأُضعفوا في أعقاب انقسامات وصراعات داخلية فيما بينهم، إلى درجة أن خارت قواهم وانتهى حكمهم.
حتى لو كانت هناك أوجه شبه، تقريبا كل مقارنة تاريخية هي مبسطة، بالتأكيد بين المشروع الصهيوني والمملكة (الممالك) الصليبية. أولا، يجب علينا أن نذكر بأنه في زمن الحملات الصليبية في «أرض إسرائيل»، منذ نهاية القرن الحادي عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر (كانت هناك ايضا حملات صليبية في دول البلطيق وشرق اوروبا)، لم تكن هناك رؤية قومية على اساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية.
ايضا بسبب العلاقة التاريخية الواضحة للشعب اليهودي بـ «أرض إسرائيل» والقدس فان المقارنة بين الصليبيين والصهاينة هي مقارنة لا اساس لها، ويمكن تعداد المزيد من التبريرات التي تثبت ذلك.
إسرائيل هي دولة قوية، متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا. وهي ايضا الدولة العظمى العسكرية الاقوى في المنطقة الممتدة من شرق البحر المتوسط وحتى المحيط الهندي.
عملية التسليم من قبل الدول العربية بوجودها عملية بطيئة حقا، لكنها مستمرة. هذا تسليم ليس فقط بحكم الامر الواقع، بل هو أيضا بحكم القانون، عن طريق اتفاقات سلام مع اربع دول عربية، وايضا عدد من الدول التي يتوقع أن تسير في أعقابها.
يمكن الافتراض بمعقولية عالية أن إسرائيل لن تُهزم في ساحة الحرب، أيضا حسب مصادر اجنبية، يوجد لديها سلاح نووي.
ليس عبثا سمّى الصحافي المعروف، سيمور هيرش، أحد كتبه الذي يتناول السلاح النووي الإسرائيلي «خيار شمشون» (من إصدار «معاريف»).
لا يوجد أي تهديد خارجي حقيقي على إسرائيل. واذا كان يوجد خطر على استمرار وجودها كدولة ديمقراطية ويهودية، وفي الحقيقة على مستقبل الصهيونية كحركة قومية لمعظم الشعب اليهودي (على الأقل نصفه يعيش في إسرائيل)، فانه ليس خطرا خارجيا بل خطر داخلي.
إسرائيل تتفكك دولة ومجتمعا. الشروخ، الانقسام، الكراهية، الاشمئزاز المتزايد من قيم ليبرالية والانقسامات السياسية وغيرها بين اليمين وبين الوسط – اليسار، بين العلمانيين والمتدينين، بين الشرقيين والاشكناز، كل ذلك يهدد النسيج الدقيق للوجود هنا.
لذلك، يجب أن نضيف الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني، وتداعياته الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع. هذه الظواهر لم تبدأ في سنوات حكم بنيامين نتنياهو، لكن في عهده تم تسريعها، وبدرجة غير قليلة بمبادرته المتعمدة.
معظم سنوات وجودها كان للشعب في إسرائيل روح مشتركة، تبنتها الأغلبية وتكتلت حولها: اقامة الدولة، الاستيطان، الأمن، قيم الديمقراطية، الاخلاق، والايمان بعدالة الطريق.
من أجلها كان الناس على استعداد للنضال، حتى لو كان يجب عليهم التضحية بحياتهم.
تقريبا النسيج المشترك، الذي وحّد الدولة، آخذ في التآكل. عدد متزايد من الإسرائيليين، كبارا وصغارا على حد سواء، يعبرون عن الخوف والذعر على وجودها.
هذا ليس حنينا مصحوبا بالشفقة على الذات، على غرار قصيدة اريك آينشتاين بعنوان «يا وطني، إلى أين أنت ذاهب». هذا قلق أصيل وحقيقي، صرخة تنطلق من القلب.
عن «هآرتس»