نشر بتاريخ: 2020/10/11 ( آخر تحديث: 2020/10/11 الساعة: 07:38 )
عادل الأسطة

فلسطينيو باريس: «عواطف وزوارها» للتونسي الحبيب السالمي

نشر بتاريخ: 2020/10/11 (آخر تحديث: 2020/10/11 الساعة: 07:38)

حين نبحث عن الفلسطيني في باريس فإننا نبدأ بذكر أحمد روحي الخالدي رائد الأدب المقارن في الأدب العربي، وبعادل زعيتر الذي ترجم كتباً فرنسية في الفلسفة والقانون والأدب، ولن يغيب عن أذهاننا سياسيون ومثقفون آخرون مثل عز الدين القلق ومحمود درويش وابراهيم الصوص وأفنان القاسم و... .

وقد ترسخ قسم من هذه الأسماء في أذهان المثقفين الفرنسيين وقسم من السياسيين الفرنسيين المناصرين، وربما في أذهان بعض المستشرقين الفرنسيين. وعندما حاضرت في بعض هؤلاء في الأعوام الثلاثة الأخيرة مرتين كانت الأسماء الفلسطينية المذكورة مألوفة لديهم.

كنت في الأسبوع الماضي أتيت على نيويورك في الرواية العربية كمنفى للفلسطينيين، ولم يغب عن ذهني حضور باري، فقد فرغت قبل شهر من قراءة رواية الكاتب التونسي الحبيب السالمي «عواطف وزوارها» ٢٠١٣، ولاحظت أن الفلسطيني حاضر فيها «الفلسطينيون يا حبيبتي في كل مكان... كالهواء»(٣٦). هل سبق وأن كتب أديب عربي عن فلسطينيين يقيمون في فرنسا في أعماله قبل السلمي؟

في العام ١٩٩٤ أصدر الأردني زياد قاسم الجزء الأول من خماسيته «الزوبعة» وكتب فيها عن فلسطيني يسافر إلى باريس لدراسة القانون، وينغمس هناك في حياة اللهو والترف والانفتاح ثم بعد فترة من إقامته  يستقيم ويعود إلى سيرته كما كانت في بلاده.

الكتابة عن فلسطينيين في باريس صدرت في النصف الثاني من ق٢٠ عن الأدباء الفلسطينيين الذين أقاموا فيها، مثل نبيل خوري ودرويش وأفنان القاسم والصوص، وكتابة هؤلاء هنا لا تعنيني، فما يهمني بالدرجة الأولى هو ما كتبه الروائيون العرب، ومع ذلك لا بأس من التعريج على بعض ما كتبوا، لأن الصورة التي ظهرت للفلسطيني في رواية السالمي لا تروق للفلسطينيين إطلاقاً، بل إنها لم ترق لبعض الشخصيات العربية في الرواية نفسها، إذ الفلسطيني في مخيلتهم مختلف.

في قصيدته «الحوار الأخير في باريس» يكتب درويش مرثية في القلق الذي قتل في باريس.

كان القلق مثقفاً وكاتب قصة قصيرة له مجموعة «شهداء بلا تماثيل» وانخرط في السياسة وحاور اليسار الإسرائيلي-هكذا يفهم من القصيدة -الذي حاول إغراءه بالمال ليعدل في الرواية قليلاً، بما يقنع اليسار الفرنسي أن الدولة العبرية لا تبني السجون على ضفة النهر وإنما تقيم المستشفيات، وهو ما رفضه - كما يرد على لسانه في القصيدة.

«عواطف وزوارها» والفلسطيني المثلي:

يحضر الفلسطيني في رواية السلمي إلى جانب المغربي والجزائري والتونسي والمصرية والفرنسية، وهؤلاء جميعاً يقيمون في باريس لا في المشرق العربي، ويحيون حياتهم هناك بقدر من الحرية قد لا تتوفر لهم في الشرق إلا في العواصم الكبيرة، أما في المدن الصغيرة فسوف تلوكهم الألسن إن لم يعاقَبوا ويُعتدى عليهم، فما يمارسونه من انفتاح في العلاقات الاجتماعية يبدو في الشرق من باب المحرمات.

يروي الرواية التونسي المنصف وهو مدرس يقيم في باريس ومتزوج من فرنسية وله منها «لبنى»، ولكنه يخون زوجته ويقيم علاقة مدة عامين مع المتزوجة مريم ثم مع عواطف المصرية المطلقة من زوجها الجزائري بو علام.

تقيم عواطف، مع ابنتها سونيا، في شقتها وتستقبل عشيقها المنصف وعرباً آخرين من بينهم رياض الفلسطيني ابن بيت لحم والمقيم في عمان لفترة والمتزوج من أردنية انفصل عنها.

يبدو رياض للوهلة الأولى، حين تراه مريم التي تعمل في مكتب طيران، كأنه غير عربي ورصيناً «إلا أنه يميل إلى المزاح والدعابة يثير إعجاب النساء والرجال معاً» والعيب الوحيد فيه هو بخله. ورياض يمتاز بسعة الاطلاع وبعمق ثقافته العامة ومعرفته الواسعة بتاريخ العرب قديمه وحديثه.

يروق رياض لمريم المطلقة من زوجها وذات العلاقة مع الفرنسي جاك الذي تبتعد عنه لاحقاً بسبب ابنها كريم، وتعرف مريم أن الفلسطيني يقيم بمفرده ولا تفهم لماذا لا يتزوج أو لا يعاشر امرأة في مدينة تعج بالنساء الفاتنات القادمات من كل قارات العالم.

رياض هذا يبدو مزدوج الجنس، فهو على علاقة بالمغربي ادريس.

«الفلسطينيون ليسوا ملائكة» يعقب الجزائري بو علام طليق عواطف الذي يحب الفلسطينيين ويراهم شجعاناً وأذكياء ويرغب في التعرف إلى رياض، لأنه يحب الفلسطينيين.

على الرغم من أن مريم تعرف أن رياض مثليّ وتُصعق حين تسمع هذا، إلا أنها لا تتردد في إقامة علاقة معه والاقتران به، وإن استاءت لأنه مثلي سلبي وليس مثلياً إيجابياً.

الفلسطيني في الرواية لا يتدخل في السياسة، وهذا يبدو مستغرباً، واللافت هو ما يعبر عنه الجزائري مبدياً رأيه بعلاقة الجزائر بفلسطين. إنه يحب الفلسطينيين، فليس هناك جزائري واحد لا يناصرهم، وإخفاقهم في تحرير أرضهم يعود إلى جيرانهم العرب، حيث تكمن المشكلة في الجيران.

هل أبرز الكتاب الفلسطينيون في نصوصهم نموذجاً مشابهاً؟

بعد سنوات من صدور «عواطف وزوارها» ستصدر رواية عباد يحيى «جريمة في رام الله» وستثير زوبعة كبيرة.

وأنا أفكر في الكتابة عن «عواطف وزوارها» تذكرت قصيدة درويش «إن أردنا» من «أثر الفراشة»، و»الفلسطينيون ليسوا ملائكة» ومثلهم الآخرون في الرواية: المغاربة والتوانسة والجزائريون والمصريون.

 

عن الايام