"الشاشة المقسّمة".. الكابوس الذي يخشاه نتنياهو
جسّدته الصواريخ المنطلقة من غزة
بقلم: حيمي شليف
"الشاشة المقسّمة".. الكابوس الذي يخشاه نتنياهو
وابل الصواريخ، التي أطلقتها "حماس" في زمن مراسيم التوقيع على الاتفاقات مع الإمارات والبحرين، أول من أمس، في البيت الأبيض، جسّد كابوس كل رئيس حكومة يكون في زيارة خارج البلاد: شاشة مقسّمة. يدور الحديث عن بث مباشر للحلم وتحطمه: من جهة، بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب يعلنان بصورة احتفالية عن قدوم السلام ولا يكلفان نفسيهما عناء ذكر الفلسطينيين ولو بكلمة واحدة. ومن جهة اخرى "حماس"، ربما بتشجيع من الممولة المتمردة قطر، تذكر الجميع بأن المسافة بين تل أبيب ودبي هي 2670 كم، في حين أن صواريخ القسام من غزة منصوبة وتهدد، حتى بعد الاختراقة التاريخية، من وراء الجدار مباشرة.
أضاف إطلاق الصواريخ على أسدود وعسقلان مصدرا جديدا لتحريض الرأي العام في إسرائيل الذي ينشغل بالاستعداد للعيد والذي هو محبط من الإغلاق الموجود على الأبواب، والذي يشعر بالخوف المتزايد بسبب إشارات تدل على أن الحكومة فقدت بشكل كامل السيطرة على مكافحة "كورونا". الشفافية في عرض الوقائع كانت تحتاج، أول من أمس، الى تقسيم الشاشة الى ثلاثة اقسام: هي شظايا صاروخ ومواطنون مندهشون على يسار الشاشة. ونظام فحوصات ومستشفيات منهارة على يمين الشاشة، وفي الوسط نتنياهو وهو يبتسم ابتسامة عريضة مثل العريس على المنصة.
وخلافا للمواطنين القلقين، يبدو أن نتنياهو تأثر حقاً وبصدق بالموقف، بدرجة كبيرة، من ناحيته. حتى لو أن الإمارات والبحرين لم تحاربا في أي يوم إسرائيل، مثلما قال ترامب دون أن يصححه نتنياهو، فإن خروج علاقاتها شبه السرية من الصندوق مع القدس وتحويلها على علاقات سياسية واقتصادية علنية وكاملة هي علامة طريق تاريخية ستسجل على اسم نتنياهو، الذي أثبت، كما يبدو، ادعاءه القديم بأنه يمكن تحقيق "السلام مقابل السلام" دون الفلسطينيين، وان اطلاق الصواريخ من غزة اوضح بأن شطب الفلسطينيين من الوعي لن يخفي مشكلتهم، وربما العكس هو الصحيح.
كان نتنياهو متأثرا جدا الى درجة المبالغة في مدح مضيفه ترامب والى درجة الاقتراب من الخط الأحمر الذي يفصل بين الاستخذاء الدارج والتدخل في الانتخابات، وهذا لا يعتبر شيئا مقارنة مع استعداد نتنياهو وزوجته سارة لإزالة الكمامات والمخاطرة بالانكشاف على فيروس كورونا من اجل عدم إحراج ترامب الذي يواصل نفي الفائدة من وسائل الوقاية المتبعة في العالم.
قبل بضعة أيام برر نتنياهو سفره بطائرة خاصة تابعة لرجل الاعمال أودي انجل، بأن "جهات مهنية قررت أنه فقط بهذه الطريقة يمكن الحفاظ على صحته. وها هو الآن هو وزوجته دون كمامات يتوددان لترامب وميلانيا ويقفان على بعد مسافة قصيرة منهما، الحاشية الإسرائيلية تخالط الأميركيين بحرية، الذين لا يتجرؤون على ارتداء الكمامات عندما يكون ترامب في المحيط. والحدث كله، رغم المشاركين فيه، يشكل حاضنة لـ"كورونا" بحجم حفل زفاف في الناصرة أو احتفال للبلوغ. ولو أن هذه الاحتفالات جرت في إسرائيل لكانت الشرطة جاءت على الفور وأصدرت مخالفة غرامات للمنظمين والمشاركين.
رد ترامب، المعروف لنتنياهو، على الثناء والتقدير، لكنه لم ينس أيضا إحراجه. فقد استغل ترامب هذا المشهد مع نتنياهو لمهاجمة خصمه بايدن مع تشبيه "جو النعسان". ولكن نتنياهو بالتأكيد كان يتوقع ذلك. فقد ظهر متفاجئاً أكثر من رسالة ترامب قبل وبعد اللقاءات في البيت الأبيض، أول من أمس، والتي تقول إنه اذا تم انتخابه فسيتوصل الى اتفاق نووي مع ايران خلال شهر. وقد ظهر أن نتنياهو بذل جهدا كبيرا من اجل الحفاظ على ابتسامته الايجابية، في الوقت الذي سرح فيه ترامب في حلم جنة عدن أميركية – ايرانية، والتي بالتأكيد لن يكون نتنياهو شريكا فيها. اضافة الى ذلك، عودة ترامب الاستحواذية الى هذه القضية تثير الشك في أنه وراء الدخان قد يكون هناك بالفعل حريق لا يعرف عنه نتنياهو.
خلافا للضيف الإسرائيلي، لم يحصل ترامب على شاشة مقسمة، وذلك لسبب بسيط وهو أن قنوات البث الأميركية خصصت الحد الادنى الضروري لتغطية التاريخ الآخذ في التشكل بين إسرائيل ودول الخليج والاهتمام بالمشكلات الداخلية. ولو أنهم أرادوا ذلك لما كانوا وجدوا صعوبة في بث الفرق المطلق والمثير للغضب بين اجواء القمم الممتعة في البيت الأبيض وبين الحريق المدمر في غرب الولايات المتحدة بسبب ازمة المناخ التي ينفيها ترامب، والتوتر المتزايد في العلاقة بين السود والبيض التي يرعاها ويثيرها ترامب، والاكثر من 200 ألف أميركي الذين ماتوا حتى، الآن، بسبب "كورونا". نبع الفشل الأخير في جزء منه من المقاربة الخاطئة من الأساس وغير العلمية للرئيس الأميركي، التي منحها نتنياهو دون خيار، أول من أمس، مباركته الظاهرية.
ربما تكون الهزة الخفيفة وغير المسبوقة في خطاب نتنياهو الطويل جدا، عكست اكثر من انفعال من حقق السلام. يعرف نتنياهو أن مصير ترامب سيحسم خلال شهرين تقريبا، وأن وضعه حتى الآن غير واعد. يصعب على نتنياهو تحمل التفكير بأن عصره الذهبي مع ترامب سيختفي وكأنه لم يكن، وأنه سيحتل مكانه العناء الذي سيواجهه مع بايدن، وكل شيء سيعود إلى نقطة البداية. يعرف نتنياهو جيداً بأنه عندما سيذهب ترامب فإن شيئا منه سيذهب معه، إذا لم يكن جميعه.
عن "هآرتس"