نشر بتاريخ: 2018/01/28 ( آخر تحديث: 2018/01/28 الساعة: 08:20 )
عدلي صادق

الشجارات والسجالات

نشر بتاريخ: 2018/01/28 (آخر تحديث: 2018/01/28 الساعة: 08:20)

الكوفية لعل فائض الضعف الممزوج بقلة الحيلة والإحساس بالضآلة؛ هو الذي يُنتج الشجارات التي عندنا، والسجالات بين الفصائل، بينما العدو والمستوطنون، يهجمون على أرضنا ويتوسعون فيها، ويتطفلون على حياتنا بغلاظة، وعلى الأقصى المبارك. فالشجارات والسجالات بين أطياف فلسطينية من المجتمع ومن الفصائل، معطوفة على تداعيات وآثار قبضتين أمنيتين، في الضفة وغزة، كان ولا زال لانعكاساتهما السلبية على السيكولوجا الجماعية للناس، نصيب وافر من أسبابها. ومن خلال تمحيص أيٍ من الشجارات التي تقع وتعبر عن كوميديا سوداء، تنشأ من خلال الفجوة بين ما نحن فيه، من ابتلاء على كل صعيد، وما ينبغي السعي اليه والاهتمام به، من معاني التعاضد والوحدة في مواجهة الأخطار الداهمة!

فائض الضعف في شجار ضاحية "الدوحة" التلحمية في الضفة، يتبدى في أوضح تجلياته. فقد اندلعت الشرارة من خلال اصطدام رمزيات، ظن كلٌ من الفريقين المتشاجرين، أن بعضها يخصه ولا يخص الطرف الآخر، وبات من بين النتائج، تحطيم تمثال الحكيم د. جورج حبش، في ذكرى رحيله. وفي الحيثيات، يريد الطرف الذي حطم التمثال، تسمية المنطقة "قلعة الشقيف" استذكاراً لواقعة صمود المقاتلين الفلسطينيين، في أوائل يونيو 1982 دفاعاً عن مواقعهم، في القلعة التاريخية المطلة على نهر الليطاني. الطرف الآخر، يريد تسمية القلعة "غسان كنفاني" استذكاراً للروائي والإعلامي الذي اسشهد بتفخيخ سيارته في يوليو العام  1972. ذلك علماً بأن مغزى التسميتين، يصب في نهر الكفاح الفلسطيني المعاصر، وإن كان لا بد من إطلاقهما على مواقع، فليكن ذلك على بناية مرجعية فتح التي تعلو وتُشرف ــ كما تتعالى الشقيف على سهل مرجعيون ــ على منخفض ذي تسمية قبيحة هي "البالوع". أو يمكن للفتحاويين، إن كانوا معنيين بتخليد أيٍ من وقائع نضالهم العسكري المنطوي نظرياً وعملياً، أن يطردوا الأسماء غير ذات المغزى الاجتماعي والسياسي، في رام الله نفسها، كأم الشرايط، ورُكَب، والمصيون، وبطن الهوى والإرسال، و"المقاطعة". فلماذا لا تكون هذه الأخيرة هي "قلعة الشقيف" إن لم تكن تلك القلعة الرومانية، والومضة البطولية في تاريخ من حلّوا فيها، موضوعاً لا ينبغي استذكاره في خطاب "المقاطعة"؟!

إنه فائض الضعف والخواء، الذي دفع الأيدي التي حركتها أدمغة رميمة، لكي تحطم تمثال الحكيم، عاجزة عن استذكار شيء من تاريخ جورج حبش، منذ أن استشهد شقيقه في اللد، وقُتل صاحبه أمام عينيه عند مخرجها، مروراً بعيادته التي كان يعالج فيها الناس مجاناً، ونضالاته من خلال حركة القوميين العرب، وبعدئذٍ في تأسيس الجبهة الشعبية!

في تجليات الضعف والخواء، يفتش الضعيف والعاجز عن ملمح قوة يتوهمه ولا يعيشه. وهكذا في الشجارات العائلية، في قلب المجتمع المكلوم والمغلوب على أمره، وفي سجالات الفصائل وفي عار الانقسام. فهذا كله ينعكس على المجتمع الذي تستقوي أجزاؤه في مناكفة بعضها البعض ويُرى تبريم الشوارب، وليس في الضغط الاجتماعي والسياسي، على سلطات استبدادية، لا تكترث لعائلة ولا لفصيل.

الأمر إذاً، يتعلق بسيكولوجيا جماعية تصدعت، وبثقافة موؤدة، وبنهرٍ من تاريخ الكفاح الوطني، يراه العاجزون مسموماً أو قابلاً للقسمة، وبذكرى تحولت الى حصص، يستحوذ عليها البائسون للمباهاة بها ولإثبات جدارتهم من خلالها، وكأن النضال الوطني الفلسطيني، انتهى بعد سقوط "الشقيف" بأيدي العدو وتخريبها، أو برحيل الحكيم بعد أن أدى واجبه واختتم دوره الريادي في حياته!