نشر بتاريخ: 2020/06/14 ( آخر تحديث: 2020/06/14 الساعة: 04:25 )
د. إياد رابعة

تداعيات الانقسام الفلسطيني على نسق العلاقات الاجتماعية

نشر بتاريخ: 2020/06/14 (آخر تحديث: 2020/06/14 الساعة: 04:25)

انطلاقا من مقولة الفيلسوف "أرسطو" أن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه، ويتمتع بصفة إنسانية تبرز من خلال العلاقات بينه وبين الآخرين ومن الأفضل تسميتها بالعلاقات البشرية بغض النظر من كونها علاقات إيجابية أو سلبية وهي بالتالي تختلف عن مفهوم العلاقات الإنسانية والتي أصبح متعارف عليها بالعلاقات الإيجابية.   فوجود الجماعة البشرية يعني بالضرورة وجود تفاعل اجتماعي سواء كان في المدرسة أو العمل أو في المجتمع المحلي بغض النظر إذا كانت هذه الجماعة صغيرة أم كبيرة. ومن البديهي أن يكون بعض أفراد هذه المجموعات في بؤرة العمل الجماعي أي ان دورهم أساسي في التفاعل الاجتماعي وبعضهم يرضى لنفسه أن يكون هامشياً مع كونه ضمن الجماعة. لذا نجد أن بعض أفراد الجماعة يشعر بالراحة والاطمئنان ويتمتع بالصحة النفسية وتحقيق الذات لوجوده داخل الجماعة والبعض الآخر يشعر بالضيق والاضطراب والقلق والإحباط من تعامله مع أفراد الجماعة .

وبالرغم مما سبق لابد للفرد من أن يعيش ضمن الجماعة ويسعى باستمرار إلى التكيف ، ويتنازل عن بعض خصائصه الفردية دون أن يؤثر ذلك سلباً على مفهوم الذات لديه ، وذلك لضرورة وجوده داخل الأسرة أو المدرسة أو الجماعة أو المشغل أو المؤسسة التي يعمل فيها . فكثيرا ما تعرضت المجتمعات في حقب التاريخ المختلفة إلى أزمات ومشاكل لا حصر لها، تركت أثارها السلبية على نسق العلاقات الداخلية لهذه المجتمعات وعرضت حقوق وحريات المواطنين للخطر، وأضفت على حركتها الخارجية نوعاً من الارتباك والتعثر؛ بيد أن هذه المجتمعات سرعان ما تداركت أوضاعها، فيتكاتف أبناؤها فيما بينهم للتخلص من هذه ألازمات والمشاكل. ويكون ذلك في الأغلب والأعم عبر الاحتكام إلى صوت العقل الذي يدعو إلى تبني القيم والمفاهيم التي تتقبل العيش المشترك مع وجود الاختلاف والتباين ومن دون شك أن التسامح والديمقراطية واحترام الحريات الشخصية والعامة في طليعة هذه القيم.

إن هذه الحقيقة التاريخية  تنطبق وعلى نـحو كبير على الواقع الفلسطينى، الذي يعاني من اختلالات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية خطيرة ومزلزلة أثرت وبشكل لا يمكن لعاقل إنكاره, بجود بوادر بل أزمة حقيقية أخذت تذبح النسيج الاجتماعي والثقافي والديني والسياسي، إذ تسود ثقافة التطرف والتعصب ومنطق العنف وفتوى التكفير ، وروح الإقصاء.. وتغليب روح الثأر على روح العدل وروح التعصب على روح التسامح ، والعنف على سيادة القانون الخ. ... هذا كله جعل المواطن الفلسطيني ان يشعر بحالة من اليأس وفقدان لمعني الحياة التى يعيشها  ونتيجة لذلك ومن خلال معايشتنا للواقع تترد أحاديث تقول " فليأت الشيطان أو فليعود الاحتلال " ليس حبا للاحتلال او الشيطان بل هذا كرد فعل نتيجة ما يحدث على الساحة الفلسطينة من انقسام وتشرذم ، وهذا ما أكده استطلاع راي نفذه مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية أفاد بأن النسبة الأكبر من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة تأثرت بشكل واضح بحالة الانقسام حيث أفاد84.6 %من أفراد العينة أن عائلاتهـم قد تأثرت بهذا الصراع والانقسام ، في حين أفاد62 % بأن حال الانقسام والصراع الداخلي الفلسطيني تسببت في حدوث مشاكل عائلية داخل أسرهم .

  وهنا نبرز أهم تداعيات الانقسام على الواقع الاجتماعى المؤلم بنظرة تحليلية سوسيولوجية بحيث تمثلت هذه التداعيات بما بلى :

-تصدع العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة بدرجات متفاوتة ، حيث برز التشدد للحزب أو التنظيم على حساب التبعية للعائلة او الحمولة ، واعتبار ان الحزب هو الاسرة بل البيت المنشود وبالتالي هذا يفقد من شرعية وسيطرة الاسرة على الفرد وعدم قدرتها السيطرة علي سلوكه وينتج مع ذلك صراعات داخلية

-ضعف روح المودة والمحبة  بين أفراد الأسرة الواحدة، نظراً للتشدد والتعصب الشديدين للحزب او التنظيم، على حساب العائلة .

-ظهور صراعات بين الأسر تبعا لانتماءاتهم الحزبية ، هذه الصراعات ولدت مشكلات خطيرة تمثلت فى حدوث حالات طلاق كبيرة ، حيث افادت تقارير صادرة عن المحاكم الشرعية الفلسطينية عن ارتفاع نسبة الطلاق في العامين الأخيرين، خصوصاً في قطاع غزة، وبأن من بين أسباب ارتفاع هذه النسبة الخلافات الحزبية بين الزوجين، أو بين أحد الزوجين وأسرة الآخر.

-تراجع دور أفراد الأسرة، خصوصاً في دور الأب الضابط والموجه للأبناء،وقد كان من أهم أسباب هذه الظاهرة البطالة التي عانى منها الآباء، وعدم مقدرتهم على تلبية متطلبات الأسرة ، وتشغيل الأبناء في الأجهزة الأمنية كل حسب انتماءه ، فأصبح للابن سيطرة بوجه او بأخر على الأسرة نظراً لأنه يوفر الدخل للأسرة.

-ضعف التحاور البناء بين الأسر، ونشأت ظاهرة القطيعة الاجتماعية بسبب التشدد للأحزاب على حساب العلاقات الاجتماعية ( العزلة الاجتماعية )

-تعزيز ثقافة وفكرة قبول تبني مصلحة الحزب على مصلحة الأسرة بحيث اصبح دور الاسرة هامشي فى عمليات الضبط الاجتماعي .

-ضعف عمليات التكافل والترابط الاجتماعي بين الاسر الفلسطينية.

-تأثرت العلاقات الاسرية من ناحية اختيار الزوجات فأصبح الانتماء السياسي تأثير كبير فى اختيار الزوجات والازواج ، بحث اصبح من الصعوبة ان يكون هناك توفق فى الحياة الزوجية نتيجة الانتماء بين الزوج الراغب بالزواج او الزوجة الراغبة بالزواج ، وهناك شواهد كثيرة فى المجتمع الغزي تدلل على ذلك وأثبتتها المحاكم الشرعية .

وبناء على ما سبق

 ألم تشكل تلك التحديات والتداعيات قلقلا كبيرا على وحدة النسيج الاجتماعي الفلسطيني على المدي البعيد والقريب وتهدد وجوده وكيانه الاجتماعي ، الم نشعر بان هذا الانقسام السياسيى والاجتماعي يشكل خطرا على مستقبل أبنائنا وأسرنا وحدتنا الاجتماعية ،، الم يحن الوقت لنقف مع أنفسنا لتحديد ما السبل والطرق للخروج من تلك التداعيات والمشكلات ،، سؤال  اتركه لكل الشرفاء من أبناء هذا الوطن سياسيين واجتماعيين وحقوقيين ومثقفين  ليتحملوا ويقفوا عند مسؤولياتهم للحفاظ على وحدة ونسيج مجتمعنا ، والذى عجز الاحتلال عبر سنوات طولة من تمزيقة او تفكيكه.