نشر بتاريخ: 2020/06/14 ( آخر تحديث: 2020/06/14 الساعة: 03:24 )
زياد أبو زياد

حزيران ينكأ جراح النكبة والنكسة والإنقسام

نشر بتاريخ: 2020/06/14 (آخر تحديث: 2020/06/14 الساعة: 03:24)

حزيران ينكأ جراح النكبة والنكسة والإنقسام

ولكن الاستيطان والضم لا يُكسب حقا ولا شرعية

منذ عام 1967 وشهر حزيران يقترن بذكريات الحرب والوقوع تحت الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي. وحين يعود المرء بذاكرته الى الوراء يلاحظ أن إحياء ذكرى تلك الحرب والمآسي التي رافقتها ما زال يتعمق في النفوس ويأخذ أشكالا ً مختلفة كلما مر عام آخر.

فذكرى وذكريات تلك الحرب كانت تنكأ جراحا في السبعينيات لأناس عاشوا تلك الحرب ولكن عدد هؤلاء الناس ظل يتضاءل كلما ظهرت أجيال جديدة لم تعش تلك الأيام بصفتها الشخصية وإنما أصبحت تعيشها من خلال الذاكرة الجمعية التي رفضت الاستسلام للواقع وتوارثت جيلا ً بعد جيل روح الإصرار على التمسك بالحق والعمل من أجل استرداده مع اختلاف الاجتهادات حول كيفية ذلك.

وبالرغم من أن حزيران 67 يقترن دائما بوصف النكسة الذي يبدو أهون وقعا ً على الأذن من كلمة نكبة التي اعتدنا أن نطلقها على عملية الاقتلاع والتهجير والقتل والتشتيت التي تعرض لها شعبنا عام 1948 إلا أنني أعتقد أنه بالرغم مما اعتدنا أن نسميه نكبة 1948 ونكسة 1967 واستيلاء اليهود على حوالي 78% من الأرض الفلسطينية عام 48 وإقامة دولتهم عليها ثم استكمال عملية الاحتلال لتشمل كامل الأرض الفلسطينية عام 67 إلا أن ذلك الاستيلاء لا يورث حقا ً ولا يضيع حقا ً طالما ظلت إسرائيل تعيش على حد السيف لا يضمن لها البقاء سوى قوتها العسكرية وعنفها المجنون ضد شعبنا والذي فشل فشلا ً ذريعا ً حتى الآن في انتزاع الشرعية والاستسلام من شعبنا الذي ينهض في كل مرة من تحت الانقاض ويصرخ بأعلى صوته : أنا موجود وسأبقى ، وسيفشل في تحقيق ذلك مهما طال الزمان.

لا أقول هذا إنشاء وبلاغة لغوية ولكنه هو كبد الحقيقة. فإنتصارات اليهود عام 48 قبل إقامة دولتهم وانتصاراتهم التي أعقبت قيام دولتهم تبقى كلها انتصارات عسكرية لا تحقق الهدف السياسي الذي قامت من أجله إلى أن تتمكن من إنتزاع الاعتراف والإقرار والتسليم بالواقع من قبل شعبنا ، كل شعبنا ، وهذا لم يحدث بعد ولن يحدث ، وإذا حدث فإنه سيحدث في سياق تاريخي آخر يجعل إسرائيل تتنازل عن حلمها الصهيوني التوسعي وتتحول الى دولة من يعيش فيها وعندها سيفاجأ الجميع بأن من ظلوا وسيظلوا يعيشون فيها هم الشعب الذي صمد أكثر من قرن ضد محاولات الاقتلاع والقهر والتذويب وظل صامدا متمسكا بترابه وحقوقه.

ما يحاولون عمله اليوم هو إمعان ٌ في محاولة دفن الرأس في الرمال وإقناع الذات بأن الشعب الفلسطيني غير موجود وأن خرافة وكذبة أرض بلا شعب ما زالت صالحة للتطبيق وأن بالإمكان التوسيع الرسمي لحدود دولة الاحتلال لتبتلع أجزاء جديدة وضمن مخطط تدريجي لابتلاع المزيد دون أي إحساس بالتخمة أو الاكتفاء.

لقد نجحت إسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونية ويهود العالم في حشد المزيد من الدعم المادي والمعنوي لبرامجها التوسعية ومارست وتمارس الابتزاز ضد شعوب العالم لاسكات كل صوت حق يمكن أن يعلو لينكر أو يرفض أو حتى ينتقد سياساتها العنصرية التوسعية مستغلة في ذلك تهمة اللاسامية التي تمت إعادة برمجة مفهومها ليصبح يشمل أي انتقاد لسياسات الحكومات الاسرائيلية حتى لو كانت هذه السياسات غير مقبولة على شريحة لا يستهان بها من الإسرائيليين أنفسهم.

وإسرائيل التي تسعى اليوم لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية وتشريد المزيد من الفلسطينيين تحاول أن تتجاهل حقيقة أنه حتى لو ظل فلسطيني واحد يرفض الاعتراف بها وبشرعية وجودها فإن تلك الشرعية تبقى موضع شك وتظل تواجه خطر أن يأتي يوم يتحول فيه ذلك الواحد الفلسطيني الى جماعة والجماعة الى قوة والقوة الى القدرة على التغيير.

تقاس الانتصارات في الحروب بنتائجها السياسية ، وطالما أننا الشعب الوحيد الذي يستطيع تمكين أو عدم تمكين إسرائيل من تحقيق تلك النتائج السياسية فإن حروب إسرائيل ستستمر وتتسع الى أن تصل نقطة الذروة التي لا يوجد بعدها سوى الانحدار الى الأسفل ، وتلك عبر ودروس التاريخ التي نتعلمها من تاريخ كل الامبراطوريات والممالك .. " الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها " وسادت ردحا ً من الزمن ثم بادت لأنهم كانوا أنفسهم يظلمون.

إسرائيل تعيش اليوم عصر انتصاراتها وعهد عربدتها وعنجهيتها، ونحن نعيش عصر التقهقر والتراجع والذي أسهمنا نحن أنفسنا في حدوثه والذي ما زال البعض منا يسهم في تكريسه ويمعن في التنكر لمصلحة شعبه وإمكانية نهوضه المبكر من كبوته . وما الإنقسام المشؤوم الذي يعيدنا حزيران أيضا الى ذكرياته إلا إحدى عوامل القهر التي مورست ضد شعبنا من قبل فئة منه والتي صبت وتصب في خانة خدمة الاحتلال وبرامجه التوسعية ، والجاهل عدو نفسه.

في حزيران هذا العام نستعيد ذكريات النكبة والنكسة والإنقسام الذي لا يقل دمارا ً وأذى عنهما ، ولكننا نؤكد بأن بقاءنا وثباتنا على أرضنا وتمسكنا بهويتنا الفلسطينية وإصرارنا على رفض كل أشكال الاستسلام هو الضمان الوحيد لإفشال كل مخططات الاستيطان والضم وشرعنة الاحتلال . وسيأتي يوم يدرك فيه الجميع أن إسرائيل هي براقش ، وأن على نفسها جنت براقش.