نشر بتاريخ: 2020/05/21 ( آخر تحديث: 2020/05/21 الساعة: 02:18 )
محمد بلاص

مخلفات الاحتلال العسكرية تضاعف حدة الحرائق في الأغوار الشمالية

نشر بتاريخ: 2020/05/21 (آخر تحديث: 2020/05/21 الساعة: 02:18)

الأغوار: لم يأبه المزارعون كما رجال الدفاع المدني، فجر اليوم، للانفجارات الناجمة عن مخلفات مناورات جيش الاحتلال، وهم يتجندون صفاً واحداً في مواجهة سلسلة الحرائق التي أتت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والمراعي في أنحاء متفرقة من الأغوار.

وهب عشرات المزارعين لمساندة طواقم الدفاع المدني في سبيل إخماد الحرائق الضخمة التي التهمت مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالبقوليات من قمح وشعير وغيرها، ونحو عشرة آلاف دونم من المراعي التي كانت وجهة رعاة المواشي لرعي القطعان فيها.

وبدأت الحرائق، بحسب مدير العلاقات العامة والإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية أحمد محاسنة، عند السادسة، مساء أول من أمس، في منطقة البرج دون أن يتيقن أي كان من سبب اشتعالها.

وأضاف محاسنة الذي يمتلك قطعة أرض أتت عليها النيران بالكامل: إن النيران سرعان ما انتقلت من منطقة البرج إلى أراضي يرزا شمالاً وأم القبا جنوباً، وصولاً إلى الرأس الأحمر، حيث تجاوز طول خط النار ستة كيلومترات، وتسبب باحتراق سلسلة من الأراضي الجبلية السهلية التي سرعان ما تحولت كتلة من السواد.

وأشار إلى أن قوات الاحتلال اكتفت بحماية معسكر "سمرا" وحدود المستوطنات القريبة من ألسنة النيران، ومراقبة الأهالي ورجال الدفاع المدني وهم يحاولون التخفيف من حدة الحرائق، في ظل ظروف خطيرة ناجمة عن وقوع انفجارات بين الفينة والأخرى ناجمة عن مخلفات جيش الاحتلال.

ومضى محاسنة لـ"الأيام": "تركونا وحدنا نواجه النيران، وخاطبني ضابط إسرائيلي قائلاً: توجد قنابل ورصاص ومتفجرات في المنطقة التي تأتي عليها النيران، وأنتم تعرضون حياتكم للخطر، فيما كان المستوطنون موجودين بكثرة وعملوا على حماية حدود المستوطنات من النيران".

وأكد أنه حاول قبل نحو شهر إدخال جرار زراعي أو حصادة إلى أرضه من أجل حصد محصول القمح، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت تمكينه من ذلك كما هو الحال بالنسبة لباقي المزارعين، وحتى اللحظة ترفض إدخال أي آليات زراعية بذريعة أن المنطقة عسكرية مغلقة، ويجري فيها جيش الاحتلال مناورات عسكرية بالذخيرة الحية.

وتابع: "كان كل همنا حماية المحاصيل والمراعي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المحاصيل الزراعية، وحاولنا إقناع ضابط الاحتلال بإرسال سيارة إطفاء إلى الموقع للمساعدة في إخماد الحرائق التي التهمت الأخضر واليابس، وكنا نشعر ونحن نخمدها أن أشياء تنفجر تحت أقدامنا".

ووثق مجلس قروي المالح في الأغوار الشمالية، احتراق آلاف الدونمات من الأراضي الرعوية، ونحو 1200 دونم من محاصيل القمح والشعير والبيكة، حيث تابع الفلسطينيون حتى ساعات الصباح الباكر مشاهد اندلاع النيران في الأغوار وانتشارها على مناطق واسعة.

ووفقاً للمجلس، فإن قذيفة من مخلفات الاحتلال انفجرت في أراضي منطقة البرج شرق حمامات المالح، وفي ظل الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة، اشتعلت النيران وامتدت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والرعوية.

وقال الناشط الحقوقي عارف دراغمة: إن العشرات من أهالي المالح هبوا لإسناد طواقم الدفاع المدني في إخماد الحرائق الضخمة التي كانت تنتشر بسرعة خيالية، وتعتبر الأضخم من نوعها.

وأكد عضو مجلس بلدي طوباس السابق عمر عينبوسي، أن تلك الحرائق كانت الأضخم في منطقة الأغوار، وخلفت أضراراً فادحة في الأراضي الرعوية والزراعية، وامتدت من البرج إلى مناطق شاسعة ومتفرقة.

من جهته، قال مدير الدفاع المدني في طوباس المقدم هلال حماد: إن أربعة طواقم من الدفاع المدني من طوباس وجنين، تعاملت مع حريق التهم مساحات كبيرة من الأراضي الرعوية الزراعية، وتمكنت من السيطرة عليه بدعم وإسناد من الأهالي.

ومع بداية الشهر الماضي، تصاعدت حدة الحرائق بشكل لافت في أنحاء متفرقة من الأغوار، وغالباً ما تسببت بها المناورات العسكرية التي يجريها جيش الاحتلال بالذخيرة الحية في أكثر من موقع.

وبحسب تقارير صادرة عن الدفاع المدني، فإن الحرائق تلحق أضراراً كبيرة بالبيئة والتنوع الحيوي، فالكثير من الأصناف البرية مثل النباتات والبذور يتم القضاء عليها، ما يؤثر على نموها في المواسم اللاحقة، وهذا الأمر يؤثر بطبيعة الحال على المراعي الطبيعية التي تحتوي على الكثير من النباتات البرية.

وأكدت وزارة الزراعة، أن "هلاك" وتراجع مساحات المراعي، يؤدي إلى إلحاق خسائر فادحة بمربي المواشي الذين يعتمدون بشكل أساسي على المراعي الطبيعية في تغذية حيواناتهم، وعندما تحرق المراعي، يضطر المزارع للجوء إلى الأعلاف التي سترتفع أسعارها، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم، ناهيك عن أن بعض المزارعين قد يضطرون لبيع مواشيهم والتخلي عن هذه المهنة، لأنها أصبحت مكلفة وتلحق الخسائر بهم".

وأكدت "الزراعة" أن للاحتلال الإسرائيلي اليد الأكبر في الحرائق التي تندلع في مناطق الأغوار الشمالية على وجه الخصوص، حيث تنتج ما نسبته 99% من الحرائق في أراضي بوابة فلسطين الشرقية عن التدريبات العسكرية لجيش الاحتلال والتي تتم في معظم الأحيان بالذخيرة الحية، حيث تطلق آلاف القذائف والرصاصات، ما يؤدي إلى اندلاع الحرائق في المراعي والمزروعات.

ووفق دراغمة، تسببت التدريبات والمناورات العسكرية لجيش الاحتلال في الموسم الماضي، باحتراق أكثر من 1000 دونم مزروعة بالقمح والشعير والبيكة، إضافة إلى أكثر من 12 ألف دونم من المراعي الجبلية، وهذا الأمر أدى إلى إلحاق خسائر باهظة بالمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، خصوصاً أن غالبية السكان في منطقة الأغوار يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي.

وتوجد في منطقة المالح بالأغوار 13 قرية فلسطينية تعيش فيها 450 عائلة تأثرت بشكل كبير من الحرائق الناجمة عن التدريبات العسكرية، حيث اضطر المزارعون لشراء الأعلاف التي يصل سعر الطن منها إلى 530 دولاراً، وهذا الأمر زاد من التكاليف على مربي الثروة الحيوانية والمزارعين، ووضعهم في حالة اقتصادية صعبة، فيضطرون إلى بيع جزء من مواشيهم لشراء الأعلاف، أو حتى بيعها كلها، والرحيل عن المنطقة، كما قال دراغمة.

وأضاف دراغمة: إن الأشجار البرية تضررت بشكل كبير من تلك الحرائق التي أتت على أعداد كبيرة من أشجار السدر والخروب، بالإضافة إلى حرق النباتات البرية وبذورها، مثل الزعتر والعكوب، وإلحاق الأضرار بالطيور والحيوانات البرية.

ويتعرض أهالي الأغوار للإخلاء والتهجير عن مساكنهم بشكل متكرر من جيش الاحتلال الذي ينفذ مناورات عسكرية على مدار العام، بالإضافة إلى التضييق عليهم بمنعهم من البناء والتوسع، وعدم توصيل المياه والكهرباء، في حين أن سبع مستوطنات وستة معسكرات أقيمت على هذه الأراضي تنعم بكل شيء أما أصحاب الأرض فهم محرومون من كل شيء.