مصر بصدد استئناف جهودها
مصر بصدد استئناف جهودها
ليس بالإمكان، استمرار حال الانقسام الفلسطيني، ولا أن تخطو المصالحة خطوة الى الأمام، تتبعها خطوتان الى الخلف. فقد بات الانقسام أسوأ من أعراض الجنون، وأصبح معادلاً موضوعياً لأعراض الجنون. ولم تعد كل الذرائع مقبولة أو مستساغة، لا تلك المتعلقة بالمنهجيات العامة ولا تلك المتصلة بجوانب الحكم والسيطرة فيه.
في كل مرة، تصل فيها جهود الدولة المصرية لتحقيق المصالحة، يعود الوسيط العربي لكي يؤكد على أن الموضوع الفلسطيني بشكل عام شأنٌ مصري، وغزة بشكل خاص مسألة أمن قومي مصري، في الأوقات المعتادة، فما بالنا في الوقت الذي تواجهه فيه مصر خطر الإرهاب الخائن الموصول بأقبية المخابرات المعادية وقوى الشر في الإقليم والعالم. فهذه الاعتبارات، ينبغي أن تقرع ناقوس الخطر لطرفي الخصومة. وهذان الطرفان، لا يملكان الآن ترف التمحك واحدهما بالآخر. فلا السلطة تملك أن تشترط اشتراطات دستورية على النمط السويسري بينما هي لا تعمل بوثيقتها الدستورية ولا الأمور تتيح لها تغليب عامل البناء الوطني بيما هي تحافظ على وضعية الانقسام على الرُغم من عوامل الخطر المتربص بالفلسطينيين جميعا. ولا حماس تملك خوض حرب مفتوحة مع الإحتلال، استناداً الى بؤس غزة. فالعدو متأهب للعدون الدامي ولن يردعه أحد، في هذه الظروف الدولية والإقليمية. فها هو الشعب العربي السوري يُذبح، وتعداده يزيد عن ضعف مجموع الفلسطينيين في الداخل والخارج، ويزيد ثلاثة أضعاف أو أكثر عن تعداد شعب فلسطين على الأراضي الفلسطينية، وعلى الرغم من ذلك لا نصير إقليمياً فعلياً، لهذا الشعب، ولا قوة قادرة على منع إسقاط البراميل عليه، أو منع ضرب المناطق السكانية بصواريخ ذات رؤوس كيميائية!
لا نقول ذلك من باب التخلي عن حقنا الأصيل في المقاومة، لكن المقاومة فعل تاريخي له تراكماته وقاعدته الاجتماعية وشروطه الاقتصادية ومنافذه الجغرافية.
لقد عبر الوسيط المصري، عن تصميمه على المضي في مشروع المصالحة، وتتركز اتصالات المصريين مع الجانب الفلسطيني، على موضوع المصالحة الذي لا يمكن إحالته الى الأدراج. فالتوافق الفلسطيني من شأنه إخراج الجميع من المأزق، وتعزيز الورقة السياسية الفلسطينية، وتأهيل المجموع الوطني لمقاومة الضغوط ومواجهة الانحياز الأمريكي، بتجديد العلاقات، من موقع الاقتدار، مع الأمم المحبة للحرية. أما موقع الاقتدار فإن إحرازه سيكون بأيدينا وليس بأيدي غيرنا، ولم يعد أمامنا إلا أن نستجيب للجهود المصرية، وأن يُصار الى تطبيق اتفاق المصالحة المبرم في العام 2011. فقد صبرت القاهرة على تعليق ذلك الاتفاق، نحو تسع سنوات نازفة فلسطينياً حتى الآن. والاتفاق يشمل كل الجوانب الخلافية ويضع حلولاً لها، وما العناد والمكابرة، إلا ضرباً من الإفتقار الى الشعور بالمسؤولية الوطنية!
بعد أن أعلن الشعب الفلسطيني موقفه من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أصبح لزاماً على النظام السياسي الفلسطيني ألا يتيح للأمريكيين طرح أنفسهم وسيطاً، وألا يُسمح لهم بتسويق صفقات قرن. فوصف الصفقة بحد ذاته، لا تتقبله ذائقة الأمم المكافحة من أجل الحرية، مثلما لا يتقبل الشعب الفلسطيني من القوى السياسية الفلسطينية المراوحة والتملص من استحقاقات الوفاق الوطني.