قمة أمراء الإرهاب
حازم منير
قمة أمراء الإرهاب
لم يعد أمام جماعة الإخوان الإرهابية، بعد أن قادت دولاً مثل تركيا وقطر، إلا أن تمتلك منظمة دولية، تمثل لها وجوداً أممياً رسمياً، بالتوازى مع التنظيم الدولى للجماعة، ليمتلك أمراء الإرهاب مؤسستين، إحداهما شعبية والأخرى رسمية، وهو -مع الفارق- مثل ما جرى فى مصر حين السيطرة على الدولة مع الإبقاء على التنظيم الشعبى.
ما جرى فى العاصمة الماليزية كوالالمبور اليومين الماضيين مؤشر خطير وبداية مرحلة تتبلور فيها دول داعمة للإرهاب كمؤسسات دولية رسمية، وترسخ لمستقبل سيغير من قواعد اللعبة، ويفرض أطرافاً بديلة فى سوق المواجهات.
لا أستطيع استبعاد تساؤلات مهمة عن قمة كوالالمبور، منها مثلاً علاقة هذا المؤتمر بمنظمة التعاون الإسلامى؟ وما إذا كان بديلاً لها؟ وأهداف القائمين على المؤتمر؟ وعلاقة ما حصل بمخطط استبعاد عاصمتين أساسيتين من التركيبة الإسلامية العالمية، وأقصد قاهرة الأزهر وسعودية البيت الحرام؟ وهل يسعى المؤتمرون إلى طرح مؤسسة تبلور وتعبّر عن أفكار التطرف وتقدم دعماً أممياً لجماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات؟
الحاصل أن تركيبة المؤتمرين تؤشر على مخطط يسعى إلى شق العالم الإسلامى لفريقين أساسيين، فريق يتبنى الأفكار الراديكالية ومفاهيم ومبادئ الفوضى والعنف والصراع مع المسلمين من خارج أنصاره، ومع غير المسلمين من شعوب العالم، وهو فريق يسعى منذ فترة لتكريس فكرة أن وجوده يمثل حماية للغرب من مخاطر الإرهاب.
الواضح أن دولاً فشلت فى التأثير على وتغيير مسار منظمة التعاون الإسلامى (العمل سابقاً)، ولم تتمكن هذه المجموعات من توجيه المنظمة التى تضم غالبية الدول الإسلامية وفقاً لسياساتها الجديدة العاكسة لأفكار العنف والتطرف، بل يبدو أن البعض من هذه الدول بات يواجه ضغوطاً، فقرر إزاحة الستار الذى يتخفى وراءه، والاتجاه نحو تأسيس مؤتمر جديد مواز، على أمل ضم دول وجماعات جديدة فى وقت لاحق، ومحاولة الحصول على عضوية دائمة بالأمم المتحدة، على غرار الوضع الحالى لمنظمة التعاون الإسلامى.
اللافت أن دولاً من مؤتمرى كوالالمبور ذات صلات أساسية وداعمة للإرهاب، وأخرى تدير أجهزة استخباراتها نشاط منظمات إرهابية، وبعضها امتدادات وعلى صلات قوية -إن لم تكن عضوية- بجماعة الإخوان الإرهابية، وتمثل عمقاً استراتيجياً ودعماً لوجيستياً لها.
الشاهد أن تلك المجموعة الراديكالية تطرح نفسها بديلاً لتشق مساراً إضافياً فى المجتمع الدولى يوفر غطاء لتنظيمات إرهابية وجماعات متطرفة، ويدعم فرض هذه الجماعات على المجتمع الدولى من خلال العلاقات الدولية والمصالح الاستراتيجية للأعضاء المؤتمرين فى كوالالمبور، ويشكل سياجاً حامياً من تعرُّض الجماعة لأى إجراءات أممية أو دولية فى المستقبل.
وربما يتساءل البعض عن علاقة إيران مثلاً، وهى دولة شيعية، بالمؤتمرين السنّة فى كوالالمبور، وفى الحقيقة فإن المسألة لم تعد سنية - شيعية، كما حاول البعض أن يخطط لها، ويفرضها على العالم الإسلامى، وإنما تحولت إلى مواجهة راديكالية - وسطية بين المسلمين بكل طوائفهم، وانقسمت الدول الإسلامية إلى معسكرين، بكل ما تحمله هذه المعانى من دلالات وتداعيات، سواء كانت مرئية أو لا.
لا أظن أننى متسرع فى إطلاق الأحكام، رغم أن طبائع الأمور تتطلب التأنى والانتظار، لمتابعة النتائج، أو على الأقل ردود الفعل، لكن الحقيقة أن الكثير من الدلالات يؤشر لاتجاهات سلبية، بل إن بعض التصريحات الصادرة عن المؤتمرين تقول إنها ستندفع باتجاه الدفاع عن المسلمين، بمظلومية شديدة، تسعى لتكريس فكرة اضطهاد المسلمين، وتنكر تدنى الخطاب الدينى، كما تنكر مسئولية أفكار التطرف والعنف عن الحالة التى وصلنا لها، وعن نمو وانتشار مفاهيم الإسلاموفوبيا، وحركات معاداة الأجانب، التى أصبح المسلمون جزءاً منها.
المثير فى قصة كوالالمبور ادعاء بعض رموزها أنهم دعاة سلم ومحاربو إرهاب وأنصار للديمقراطية، ومنهم حاكم قطر تميم، المضبوط متلبساً بدعم الإرهاب فى سوريا والعراق وليبيا، وحاكم تركيا الحالم بالخلافة العثمانلية الذى ذبح شعبه، ونكّل بجيشه، وأطاح بمعارضيه السلميين السياسيين فى السجون، وشرّدهم وعائلاتهم، وفصلهم من أعمالهم، ونكّل بالنساء والأطفال فى السجون، ليعود للحديث عن حقوق المسلمين المسلوبة، وهو الذى استباح أراضى وأملاك المسلمين فى دول عدة، وما زال.
ثلاث دول من مؤتمر كوالالمبور احتلت أو دعمت مخططات انهيار الدولة الوطنية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وحالياً لبنان، بعد أن فشلت فى الجزائر، والله أعلم بمستقبل ومصير تونس الخاضعة لهيمنة وحكم عملاء كوالالمبور، والباقى من امتدادات جماعة الإخوان الإرهابية، أو من مخططى الإرهاب فى الشرق الأوسط.
المرحلة المقبلة فريدة من نوعها، ويبدو أن الخطر المحيط، ليس بمخططات دولية فقط، وإنما بأدوات من بيننا أيضاً، يلعب دوراً جوهرياً فى تفجير وتشرذم الأمة الإسلامية بشقها إلى نصفين وتحريض المسلمين بشعارات دينية خادعة لإثارة المشاعر وتفجير الصراعات والحروب ومشاعر الكراهية بينهم، والأخطر هو توفير الغطاء الدولى للإرهاب.
حقاً إنها قمة أمراء الإرهاب.
الوطن المصرية