نشر بتاريخ: 2019/10/25 ( آخر تحديث: 2019/10/25 الساعة: 06:27 )

خاص|| حلم الهروب من غزة إلى المجهول "2"

نشر بتاريخ: 2019/10/25 (آخر تحديث: 2019/10/25 الساعة: 06:27)

غزة - ميرفت عبد القادر: حلم ينبت ما بين مد وجزر، أمل بالبقاء يزاحم ألم الواقع المرير، أمواج تبتلع أعمارًا قضى أصحابها حياتهم بين انقسام وحصار، لا يثقل كاهلهم غير التفكير بالهجرة، عبر قوارب تحمل أقدارًا، غابات وأشجار كثيفة يستظلون بها، مسافات يقطعونها محمّلين بالأمل في النجاة من خطورة الموت المحتم والسقوط فريسة للمهربين، حكايات بلون الوجع وملح البحر، يرصدها الناجون من الموت بأعجوبة، ويسجلون الوقائع، حول مَن لقوا حتفهم ما بين البحار والغابات والسجون، وآخرون انقطع الاتصال بهم وأصبحوا في عداد المفقودين.

قصص يرويها الناجون

قرر الشاب محمود أبو ناجي، البالغ من العمر 26 عاما، الحاصل على بكالوريوس في الصحافة والإعلام، الهجرة، دون أن يعلم أن تلك المغامرة قد يكون ثمنها حياته، لكنه وجد أن وصول بلجيكيا، لتحقيق طموحاته، رحلة تستحق العناء والتعب.

ويقول أبو ناجي لـ"الكوفية"، إنّ "ما دفعني للتفكير بالهجرة هو الاضطهاد، وظروف غزة ما بعد الانقسام الفلسطيني، كان سببًا كافيًا، حيث كنت ناشطًا شبابيًا، ومطالبتي الدائمة بإنهاء الانقسام.

معبر رفح "بداية الحلم ونقطة الانطلاق

يتابع أبو ناجي، "توجهت في الصباح لمعبر رفح البري، بعد طول انتظار لهذه اللحظة، انطلقت بنا الحافلة نحو مطار القاهرة، حتى وصلنا، وتم وضعي في غرفة الترحيل، كما هو حال كل المسافرين الغزيين الذين يحملون "فيزا سفر" إلى تركيا، قضيت هناك يومين، حتى جاء موعد الطائرة لتقلع بي إلى تركيا، لتبدأ الرحلة من هناك.

تركيا.. المحطة الأولى للوصول ورحلة البحث عن مهرب

يستطرد أبو ناجي، "وصلت تركيا، حيث المحطة التي شعرت، أنني أسير نحو الهدف، لكن الواقع كان مختلفًا، بقيت فيها 6 شهور، أحاول الوصول من خلالها، إلى اليونان، لكن لم أستطع، وكل مرة كنت أحاول الهرب، يتم القبض علي وإعادتي لتركيا، بعد الضرب وسلب الهاتف، بحجة محاولة الهجرة غير الشرعية".

السؤال الأهم: أين المهربون؟ 

يجيب ناجي، عن سؤال أين تجدون المهربين، "هم كُثر، نجدهم جالسين في المقاهي والكافيهات، وتحديدا في ساحة "بصمانة" في إزمير، وهي معقل التهريب والمهربين، وبالنسبة لي أجريت مكالمة مع مهرب سوري الجنسية مقيم في إسطنبول، أخبرته برغبتي في الهجرة لليونان، واتفقت معه على المبلغ المحدد لذلك، وعدد ركاب القارب ما بين 3 إلى 6 أشخاص.

"قارب المطاط".. حكاية التهريب وبداية المغامرة

يكمل أبو ناجي، "جاء وقت تجهيز قارب التهريب المطاطي، يطلقون عليه اسم (البلم)، والذي يبلغ طوله 9 أمتار وعرضه مترين، كانت الساعة 11 مساءً، عندما وصلت مكان المركب، لأجد 40 شخصًا، يجهزون أنفسهم لبدء الرحلة معي على القارب المتفق على أن يقلّ 6 أشخاص بحدٍ أقصى، لأجد المهرب ينهرني ويصرخ في وجهي (يا بتركب يا بتموت بالبحر)، حيث يرانا المهربون عبارة عن نقود، ولسنا بشرًا، وما كان عليّ سوى التسليم بالأمر الواقع، فركبت القارب الصغير المكتظ بمن عليه، تجاوزت الرحلة الـ9 ساعات، كانت مرعبة جدا ومخيفة، حتى وصلنا بر الأمان في جزيرة باليونان".

"اليونان" المحطة الثانية للعبور إلى الاتحاد الأوروبي

يستكمل ناجي، "لم ألبث أن شعرت بالأمان حتى اعتقلتني السطات اليونانية، لمدة أسبوعين، ومن ثم تلقيت ورقة خروج من الجزيرة إلى العاصمة أثينا في اليونان، وفي هذه الفترة، حاولت الخروج من اليونان للوصول إلى السويد، لكن تم إلقاء القبض علي، ليتم سجني ما بين صربيا وهنغاريا، ثم خرجت من السجن، حينها قررت أن أبحث عن طريقة آمنة لكي أصل للسويد، وبالفعل هذه المرة نجحت في الوصول إليها، بعد عناء كبير، وطريق سلكته، ما بين المطاردة والحبس والاعتقال والضرب والإهانة".

ينهي ناجي، تفاصيل رحلته الطويلة، بالقول "نعم وصلت السويد، وقضيت هناك 4 سنوات، ثم غادرتها متوجها إلى بلجيكيا، وهناك حصلت على الإقامة وتمكنت من التنقل بين دول أوروبا بكل أريحية والآن أستقر في بلجيكيا، أتعلم اللغة الهولندية وأعمل في شركة كهرباء، قائلًا، بأسى، "لا أفكر بالرجوع إلى غزة البتة".

 الموت في أوروبا أرحم من العودة لــ ضيق الحياة في غزة

يبدأ "ن. ج" حديثه بجملة واحدة، "مستقبل بيضيع واحنا مش قادرين نعمل اشي"، الانقسام والتنظيمات، هما السبب فيما وصلنا إليه الآن.

يضيف "ن. ج"، في حديثه لـ"الكوفية"، "رحلتي لم تكن سهلة، من التسجيل للسفر ودفع مبلغ 1500 دولار، "تنسيق معبر" لأضمن خروجي من قطاع غزة، وبالفعل، غادرت باتجاه القاهرة ثم من مطارها إلى تركيا، حيث كلفتني فيزا تركيا 600 دولار أمريكي، وجدنا المُهرّب، دفعنا له 1500 يورو، مقابل إخراج 10 أشخاص، لكن كعادة المهربين، حين وصلنا نقطة التجمع لنركب السيارة التي ستقلنا لنقطة  التهريب، وجدنا 23 شخصا، بينهم أطفالٌ ورضّع، ركبت، فمن يركب السيارة لا رجعةَ له، لم أفكر بالعدد المهم أن أصل، وصلنا نقطة التهريب، أنزلونا للسير على الأقدام، قالوا لنا المسافة بيننا وبين القارب الذي سيقلنا نصف ساعة ومن ثم سنصل (البلم)، وجدنا أنفسنا نسير 7 ساعات على الأقدام ويخبرنا الدليل التابع للمهرب، أنه لم يتبق إلّا القليل، حتى حل المساء، ووصلنا لطريق الغابات، أوقفنا السير من التعب الشديد، وكان علينا المبيت لنستكمل رحلتنا في الصباح".

يكمل المهاجر، "في اليوم الثاني أكملنا المسير، حتى صعدنا إلى جبل، ونزلنا منه لنجد أنفسنا في الماء، مشينا قليلا وجدنا، القارب أخيرا، ركبناه وأبحر بنا قليلا، إلا أن وجدنا خفر السواحل يحيطون بالقارب ويأمروننا بالتوقف، سحبونا تجاه قاربهم وساروا بنا نحو 4 ساعات حتى وصلنا، للميناء، وتم اعتقالنا جميعا لمدة 3 أيام، داخل السجون التركية، لا يقدمون لنا خلالها سوى علب الفاصوليا النيئة، إلا أن أفرجوا عنا وسلمونا (ورقة ترحيل) وأمهلونا 6 أيام لمغادرة تركيا.

يتابع "ن. ج"، "لم تعجزنا الـ6 أيام بحثنا عن مهرب آخر،الموت أهون من العودة إلى غزة، تفرقت المجموعة، وبقينا 10 أشخاص، وجدنا مُهربًا وسار بنا حتى جزيرة رودس، لنصل بذلك اليونان، وفور وصولنا تم اعتقالنا من قبل الشرطة اليونانية، ليتم الزج بنا في السجن مع العصابات لمدة 3 أيام، لنتسلم  بعد ذلك (ورقة طرد) من اليونان".

يكمل "ن.ج"، لم أستطع مغادرة اليونان، فالخروج منها  يحتاج مبلغ 5 آلاف يورو، بقيت فيها، وقررت تقديم طلب لجوء، عن طريق برنامج "الاسكايب"، حيث يفتح الخط ساعة كل أسبوع في الجزيرة التي كنت فيها، لأستطيع محادثتهم بعد 40 يوما من الانتظار، بعدها أجريت المقابلات، ومن ثم قدمت طلب اللجوء في مركز اللجوء "الأسيلوم" وبعد صدور قرار الموافقة على الإقامة تم تبصيمي"البصمة" في اليونان للمرة الثالثة.

يتابع، "وبعد حصولي على الإقامة من اليونان، سافرت إلى إيطاليا، ومن ثم من إلى ألمانيا، لتنتهي رحلتي الطويلة بوصولي بلجيكا وسأقدم طلب لجوء لأبدأ حياة جديدة".

الحصار يتسع والانقسام يتمدد

من جهته قال الناشط في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مصطفى إبراهيم، قوّض الحصار جميع مقومات الحياة وعززه الانقسام الفلسطيني الذي أصاب الناس في عمودهم الفقري، وعم الحزن والكآبة واليأس والإحباط، غزة محاصرة والانقسام يكبر، ويتعمق، وضرب عصب النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وقيدت حركة قطاع غزة والناس، منذ أكثر من عقد من الزمن، وتراكمت المآسي والمصائب والكوارث وبقي يتجدد الألم يومياً.

واعتبر إبراهيم، في تصريحات لـ"الكوفية"، أن "ما زاد الطين بلة، قرار الحكومة الفلسطينية في بداية شهر أبريل/ نيسان 2017، فرض إجراءات جديدة على قطاع غزة وإحالة الآلاف من موظفي السلطة إلى التقاعد وخفض الرواتب، ليشهد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، تحولات عميقة أحدثت خللاً في التوازن السياسي والاقتصادي الاجتماعي والنفسي، هذا الخلل خلف أثراً بالغاً، بشكل مباشر في عقيدة المواطنين ووضعهم النفسي ورؤيتهم للحياة والمكان الذي يعيشون فيه، بسبب الانقسام الفلسطيني الذي لا يقل خطورة عن الاحتلال والحصار الإسرائيلي، وغياب الاستقرار وفقدان الأمل في المستقبل".

مؤشرات تصاعدية

 ويضيف إبراهيم، "ارتفعت معدّلات الهجرة من قطاع غزة، وهناك مؤشرات تؤكد أنها تسير في اتجاهات تصاعدية، مع تجاهل المسؤولين الفلسطينيين لهذه الظاهرة، فقبل أشهر نشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية باللغة العبرية (كان) تقريراً تلفزيونياً لمراسلها للشؤون الفلسطينية، حول الشباب الفلسطينيين الذين هاجروا من قطاع غزة، والذين تجاوز عددهم وفقاً للتقديرات الإسرائيلية الـ40 ألفاً، حتى منتصف عام 2018، و20 ألفاً وفق تقديرات الأمم المتحدة.

استطلاع رأي

وكان قد أظهر استطلاع للرأي نفذته جامعة الأقصى في غزة منتصف العام الماضي عينة بلغت 1280 شخصا ممن تجاوزت أعمارهم الـ18 عاما، أبدى 51 بالمئة منهم استعدادهم للهجرة خارج القطاع في حال أتيحت لهم الفرصة لذلك، وأوضح 83 بالمئة أن العامل الاقتصادي هو السبب في لجوء شباب القطاع إلى الهجرة، مقابل ما نسبتهم 12 بالمئة أرجعوها إلى العوامل السياسية.

.

.

في الجزء القادم نكشف:

- فتيات وأمهات يسلكن طريق الهجرة.

- خبير اقتصادي يكشف عن أرقام مرعبة في صفوف المهاجرين والبطالة.

- عشرات المفقودين في تركيا والجزر اليونانية.