نشر بتاريخ: 2019/09/24 ( آخر تحديث: 2019/09/24 الساعة: 08:14 )

خاص بالفيديو والصور: "الأطفال الخُدج".. معاناة بلا حدود

نشر بتاريخ: 2019/09/24 (آخر تحديث: 2019/09/24 الساعة: 08:14)

غزة - محمد عابد: داخل حضانات الأطفال في مستشفىات قطاع غزة، يرقد عشرات الأطفال الذين خرجوا من أرحام أمهاتهم ليصبح مسقط رأسهم تلك الحضّانة، التي لا يُسمع فيها سوى صوت الأجهزة الطبية التي تعزف لحن الحياة للخدج هنا، على أبواب تلك الحضانات تجلس أمهات وآباء أولئك الأطفال على أمل خروج أحد الأطباء بخبر مفرح لهم، يُسمعهم خفقات قلوب أطفالهم، ينتظرون بفارغ الصبر نبأ إعلان إطلاق سراح أطفالهم من ذلك المكان، معتقدين أن رحلة المعاناة تلك قد انتهت بخروج الطفل من المستشفى، ولكن تبدأ رحلة معاناة الأطفال وأهاليهم تدخل في فصل جديد.

الدكتورة رضا أبو عاصي نائب رئيس قسم الحضانة في مستشفى النصر للأطفال بمدينة غزة، تحدثت لـ"الكوفية" واصفةً الأطفال الخدج، بأنهم "ولدوا قبل اكتمال نموهم في أرحام الأمهات، أي قبل انقضاء مدة الحمل الطبيعية 9 أشهر، ما يتطلب وضع الطفل تحت رعاية خاصة لأنه يكون عُرضة للمضاعفات مثل عدم اكتمال نمو الرئة وهذا يتطلب دخوله في الحضانة والرعاية المركز ليتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي، كذلك يحتاج إلى عدة أنواع من الأدوية، وفي بعض الأحيان نتيجة قلة مناعة الطفل قد يصاب هذا الطفل بجراثيم في الدم والعديد من المضاعفات التي يكتسبها من تلك الأجهزة مما يعرض حياة هذا الطفل للخطر".

وتابعت أبو عاصي، "مقارنة بمستشفى الشفاء والذي يعتبر أكبر مستشفيات قطاع غزة بأن نسبة الأطفال الخدج التي تصل مستشفى النصر للأطفال أقل بكثير من تلك التي تصل مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة، ومن يصل النصر للأطفال هم أطفال محولون من المستشفيات غير الحكومية، ويتم حينها التعامل مع الحالة بوضع الطفل على جهاز الحضانة، هذا الجهاز يتمتع بحرارة خاصة لأنه يلعب دورًا مهمًا في حفاظ درجة حرارة جسم الطفل والحفاظ على ثبات درجة حرارة أجهزة الجسم الداخلية، ما يساعده على العمل بشكل مناسب، وكذلك يحتاج هذا الطفل إلى علاج خاص باهظ الثمن وفي بعض الأحيان يكون غير متوفرا في المستشفيات، وأيضا يحتاج هذا المولود إلى أنواع من المضادات الحيوية، والحليب الذي يحتاجه الأطفال الخدج للرضاعة، مع العلم أن الحليب الأمثل والأفضل للأطفال بشكل عام هو حليب الأم، ولكن في حالة الأطفال الخدج فإن الطفل بحاجة إلى حليب من نوع خاص نظرا لعدم وجود والدته بشكل مستمر في الحضانة وكذلك لصعوبة حالة الأطفال".

آليات التنسيق

وعن وجود تنسيق بين مستشفيات القطاع ومؤسسات المجتمع المدني في آلية توفير الحليب لأولئك الأطفال قالت أبو عاصي، إن الحليب الذي يستعمله الأطفال الخدج طوال فترة إقامتهم في المستشفى يصلهم من خلال مطبخ الحليب، وهذا المطبخ يتم التنسيق معه من خلال وزارة الصحة مع شركات معينة، وحين يغادر الأطفال تكون مسؤولية توفير الحليب ملقاة على عاتق الأهل.


حول المعوقات التي تواجههم في رعاية الأطفال الخدج، قالت إن من أبرزها "صعوبة توفير أدوية اكتمال الرئتين تحديدا وهذا ينتج عنه وفاة أعداد كبيرة من الاطفال الخدج، وكذلك عدم توفر بعض المضادات الحيوية، وغياب أنواع من أدوية التشنجات ما يضطرنا للبحث عن بديل لها، وعدم كفاية أجهزة الحضانة لأعداد الأطفال المرضي.
المجتمع المدني يعوّض تقاعس الحكومة

منسق المشاريع الإنسانية في مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين هلال أبو حمد تحدثت لـ"الكوفية"، عن دور مؤسسات المجتمع المدني في خدمة الأطفال الخدج تحديدا، فقالت "من ضمن فئات الأطفال الذين تستهدفهم مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين هم الأطفال الخدج الذين يحتاجوا إلى عدة أجهزة وأدوية وأنواع حليب غير متوفر في القطاع، خاصة وأن هذا الطفل لا يمكنه أن يحصل على الرضاعة الطبيعية نظرا لبقائه في المستشفى فترة قد تزيد على شهرين في بعض الأحيان، حتى بعد خروج الطفل من المستشفى فإن هذا الطفل يكون بحاجة إلى رعاية وعلاج خاص وبحاجة إلى أجهزة طبية خصوصا أجهزة التنفس الصناعي، وأجهزة شفط البلغم، وكذلك جرة غاز أكسجين، وهذه الأمور قد يكون الطفل بحاجة لها لمدة تزيد على السنين ما يزيد من معاناة ذويهم، وهذا كله مرتبط بالمرحلة التي ولد فيها الطفل".

وتابعت أبو حمد، أن هناك حالات تصاب بمضاعفات عدة نتيجة الولادة المبكرة وهذه المضاعفات تلازم هذا المولود مدى الحياة، فعلى سبيل المثال لو حدث للطفل الخدج نقص في الأكسجين فإن هذا الطفل قد يصاب بعدة أمراض في الدماغ والجهاز التنفسي، هذا النقص قد يصاحب الطفل مدى الحياة".

وفيما يخص الصعوبات التي تواجه مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين أكدت هلال، أن "الوضع العام في قطاع غزة صعب جدا احتماله، وأن مؤسسات المجتمع المدني لا يمكنها أن تقوم بدور الدولة، وما يزيد من صعوبة عملنا ودورنا هو كثرة الحالات وكذلك الحالات الميؤوس منها وتصر على طلب العلاج والخدمة، حينها لا يمكننا أن نرفض علاجًا تلك الحالة لالتزامنا الأدبي والأخلاقي تجاه أولئك الأطفال، ولكننا نبذل الجهد الذي باستطاعتنا بذله".
 

حكاية خميس

"الكوفية" لم تقف هنا في هذا التقرير، بل أجرت زيارة منزلية لأحد أهالى الأطفال الخدج في قطاع غزة، ورصدت الحالة التي تعانيها أسرة أحد الأطفال الخدج منذ ما يزيد على عام وثلاثة أشهر .

والد الطفل خميس، أحد الأطفال الخدج، يقول "تعرضت زوجتي لولادة مبكرة خلال فترة حملها في الشهر الثامن، وأنجبت طفلنا خميس وكان وزنه يوم الولادة 1.5 كجم، وحين ولد الطفل تم تحويله من مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع إلى مستشفى النصر للأطفال، وهناك تم وضعه في الحضانة مباشرة نتيجة عدم اكتمال رئتين المولود  ليقضي في المستشفى 90 يوماً على التوالى وهو يرقد على جهاز التنفس الصناعي فقط، خلال فترة الـ90 يوما كان هناك العديد من المحاولات من قبل الأطباء لرفع الطفل عن أجهزة التنفس الصناعي ولكن بلا نتيجة، وهذا نتج عنه تكوّن ماء على دماغ الطفل، وبعد 90 يومًا قرر الأطباء تخريج خميس من المستشفى بعد رفع جهاز التنفس الصناعي عنه ولكن الماء بقي كما هو على الدماغ وتم تحويلنا إلى مستشفى الأقصي وسط القطاع ليمكث هناك طفلنا 24 ساعة على الأكسجين الطبيعي من خلال أسطوانات، ولنقضي هناك 20 يوما كاملة، وحين قرر الأطباء خروجنا من مستشفى شهداء الأقصى كنا مضطرين لتوفير الأكسجين على مدار الـ 24 ساعة وكذلك الجهاز الخاص بتلك الأسطوانة، كذلك توفير تبخيره من نوع خاص وهي مكلفة جدا لأنها عبارة عن قرص وليست سائلًا، وكذلك حليب مدعم بعدة أنواع من الفيتامينات والبروتينات لتساعد في نمو الطفل، وحليب صناعي من نوع آخر بمقدار من 5 إلى 10  سنتيمترات يوميا، ونتيجة عدم اكتمال رئتي خميس تكونت طبقة من البلغم على صدره وأصبح بحاجة إلى عملية تشفيط لهذا البلغم بشكل أسبوعي.

المعاناة

يضيف والد الطفل خميس بمرارة، "حصلنا على أسطوانة أكسجين من خلال وزارة الصحة ولكنها تكفي فقط لمدة أربعة أيام فقط، وحين تنتهي أسطوانة نضطر لفصلها عن الطفل والخطر يكون حين يتم فصل الأكسجين عن الطفل والأخطر حين تنفد الأسطوانة يوم الخميس ليلا ويكون الجمعة والسبت إجازة، كنا نعيش لحظات الموت، ناهيك عن ثمن إعادة تعبئة تلك الجرة، وكذلك قسوة المشهد حين ترى طفلك يصارع الموت أمام عينيك، ولتخطي هذه المشكلة تمكنا من توفير جهاز يولد الأكسجين على مدار الساعة ولكنه بحاجة إلى كهرباء دائمة، وبدأ مشوار تغذية الطفل لتساعده على النمو بشكل جيد ولكن ببطء".
علاج طبيعي

الآن خميس بحاجة إلى علاج طبيعي لليدين والقدمين بسبب تأخر نموه الجسدي، وكذلك رقبته لا يمكنها حمل رأسه ويبقي رأسه على جهة واحدة ولا زال هناك ماء على الدماغ عنده، تلك المشكلة التي لا يوجد لها حل بحسب الأطباء، خصوصا مع عدم وجود طبيب أطفال متخصص في مجال جراحة أعصاب الأطفال في قطاع غزة ، ومن المستحيل أن يكون هناك مجال للتدخل الجراحي في هذا السن وصعوبة الإمكانيات المادية التي تحول دون سفر خميس، 14 شهرًا ولا يزال خميس يعاني من نهجة في صدره وبحاجة إلى تبخيره مستمرة ومقويات وفيتامينات، وكذلك جهاز لشفط البلغم عن صدره، وكذلك أطباء أكثر تخصصا، وزيارات شهرية وأحيانا أسبوعية للمستشفى، في ظل هذا الظرف المعقد الذي يعيشه قطاع غزة.

وبسؤال عائلة الطفل خميس للأطباء حول مستقبل طفلهم لم يحصلوا على إجابةٍ شافية، وكأنه كُتب عليهم أن يعيشوا معاناةً دائمةً.