الإبداع من "بسطة شاي"..
خاص بالفيديو|| "المسيحي الأخير" رواية أطلقها مؤلفها من فوق الرصيف
خاص بالفيديو|| "المسيحي الأخير" رواية أطلقها مؤلفها من فوق الرصيف
غزة - محمد عابد: لم يخطئ الشاعر الراحل محمود درويش حين قال، "قف على ناصية الحلم وقاتل، فَلَكَ الأجراسُ ما زالت تدُقُّ، ولك الساعة ما زالت تدُقُ".
فالحلم لا يموت ولا يقهره شيء وأجراسه لا زالت تدق، وإن شابته الشوائب وإن حاربته الأقدار وخانته المصائر وأضاعه الواقع, تراه ينتظرك في نهاية الطريق، يرقبك، يناديك ويبتعد ثم يبتعد ويبتعد، تلمحه فتحترق، وتنتفض، تصرخ تبكي ولكنك لا تموت ولم تمت ولن تمت، فالحلم معك ولك يسير وبك يسير.
الكاتب الرّوائي الفلسطيني هاني السالمي، 40 عاماً، من غزة , حلم يصر علي التحقق, السالمي الذي تخرّج في كلية العلوم بجامعة الأزهر عام 2002، انجذب للكتابة والأعمال الأدبية منذ طفولته، ليبدأ بتسجيل إنجازاتٍ حقيقية في مجال التأليف عام 2007، عندما فازت روايته "الندبة" بجائزة القطان للروائيين الشّباب على مستوى فلسطين، ليجد نفسه بعد أكثر من عقدٍ ازدحم بالإنتاج الخاص، بائع قهوة يطلب رزقه على مفترق طرق، ومن ثم أطلق عدة روايات منها "حين اختفى وجه هند" و"هذا الرصاص أحبه" التي فازت بجائزة محلية عام 2011، و"سر الرائحة"، و"الظل يرقص معي"، و"الماسة"، و"قلب طابو"، و"الأستاذ الذي خلع بنطاله"، و"الحافلة رقم 6"، و"الجنة الثانية"، وغيرها الكثير من المسرحيات التي عُرِضت في مناسباتٍ مختلفة، بعد كل هذه الكتابات والروايات يقف الكاتب والروائي هاني السالمي، على ناصية أحد الشوارع في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، أمام بسطته لبيع المشروبات الساخنة، بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه للحصول على فرصة عمل عقب تخرجه في الجامعة قبل سبعة عشر عاماً، بعد أن طرق السالمي جميع الأبواب للحصول على فرصة عمل دون جدوى، لكنه حصل على بعض فرص العمل المؤقتة في مؤسسات أهلية مقابل شواقل قليلة، تلك البسطة التي جاءت فكرتها حين طلبت بناته الأربع مصروفهن اليومي قبيل الذهاب إلى المدرسة ولكنه لم يكن يملك المال، لم يكن يملك شيقل واحدًا لشراء كوب من القهوة، حينها شعر السالمي بالعجز أمام نظرات بناته الصغار، حينها اتخذ قرارا بفتح بسطة لبيع الشاي والقهوة والمشروبات الساخنة، لتوفير قوت أسرته ومصروف بناته الصغار.
وأصبحت تلك البسطة عنوانًا لهاني السالمي، يقضي أمامها معظم وقته، هناك أمام تلك البسطة وعلى الرصيف بدلا من القاعات الضخمة والمكيفة، وقع الكاتب والروائي هاني السالمي روايته الأخيرة والتي تحمل عنوان "المسيحي الأخير"، تلك الرواية التي تتحدث بحسب السالمي عن "تعتمد فكرة رواية "(المسيحي الأخير) على ثنائية لماذا يهاجر المسيحيون من غزة؟، وكيف يمكن إقناعهم بالبقاء في هذا المكان؟، وفي حواره مع المسيحي الأخير الذي حمل اسم ميشال عواد يستنفد الكاتب طاقات اللغة ومواهب الإقناع من أجل إقناع آخر أبناء مريم المجدلاوية بالبقاء في غزة, وفي سرده المطول والمتعدد المداخل والوسائط يجد في بقاء ذلك المسيحي الأخير في غزة عبقا للمكان والزمان والإنسان، وكذلك يفتح الكاتب للمسيحي نافذة على الكون يريد أن يريه ذاته لأنه في غزة أفضل منه في البحر، لأنه في غزة يمثل رائحة السماء ونبع الأرض وأحاديث الجدات ورنين المواويل الغزاوية، يمثل صوتا من الأرض التي لا ينبغي أن يغادرها".
كما، وينطلق السالمي من خلال روايته في رحلة الإقناع الممتدة على صفحات الرواية، لتوفير كل سبل البقاء للمسيحي الأخير، يعيد تعميده من جديد لعل رئته تتنفس هواءً جديدًا غير ذلك القادم من وراء الأمواج والداعي إلى ركوب زوارق الهجرة.
يقيم الكاتب من لبنات الكلمات وطين السرد منزلا غزيًّا رائعا للمسيحي الأخير، ويستخرج له من أكاليل الحرف حبيبة تقاسمه الهم والأشواق وتملأ عليه البيت سعادة وهناء.
ولكن المسيحي الأخير، يتشبث بحبل الهجرة، وفي النهاية لم يعد من حل أمام الكاتب غير قتل المسيحي الأخير، وحبسه داخل قبر مفعم بالذكريات والرغبة والغربة في مقبرة الجنود الإنجليز.
تلك الرواية التي لاقت رواجا هائلاً في قطاع غزة، خاصة بين صفوف الشباب الذين يعيشون نفس مأساة السالمي، وكذلك هناك الكثيرين ممن أعجبتهم فكرة توقيع روايتك في أي مكان تراه مناسبًا, ليس شرطا أن يكون قاعة ضخمة ومكيفة, وليس شرطاً أن يحضر توقيع روايتك وكتاباتك كبار القوم، المهم أن ترى كتاباتك النور والحياة.