حراك داخل حراك… حين تبتلع المنظومة الشيطانية صوت الإصلاح
بقلم: شريف الهركلي
حراك داخل حراك… حين تبتلع المنظومة الشيطانية صوت الإصلاح
الكوفية في التجارب التنظيمية كلها، يولد الحراك من حاجةٍ حقيقية: حاجةٍ لتصويب المسار، أو لفتح نافذةٍ للهواء النقي في غرفةٍ امتلأت بالغبار. فالحراك — في جوهره — فعلُ إصلاح، وصوتُ احتجاج حضاري، ومحاولةٌ لإعادة الروح إلى تنظيمٍ أنهكته التكلّسات. لذلك فإن وجود حراكٍ واحد داخل أي بنية سياسية يُعدّ أمرًا طبيعيًا، ما دام مرتبطًا بزمانٍ محدد، ورؤيةٍ واضحة، وقيادةٍ تعرف من أين تبدأ ببرنامجها وكيف تنتهي.
لكن المشهد يصبح أكثر تعقيدًا حين يظهر حراكٌ ثانٍ داخل الحراك الأول. عندها لا يعود السؤال: لماذا يتحرك الناس؟ بل يصبح:
لماذا فشلت القيادة الأولى في احتواء طاقة الناس وإدارة صوتهم ومصالحهم؟
الحراك داخل الحراك ليس ترفًا تنظيميًا، بل علامة على انهيار البوصلة. إنه دليل على أن الصوت الأول ضاع بين المصالح، وأن القيادة انشغلت بالواجهة، وابتعدت عن جوهر الإصلاح. وأن الناس الذين خرجوا طلبًا للتصويب وجدوا أنفسهم مضطرين لبناء منصة جديدة، لأن المنصة الأولى لم تعد قادرة على حملهم وانشغلت في جني الغنائم مصيرهم كما حدث في جبل أحد هزيمة ؟؟؟
لكن الأخطر من كل ذلك هو تلك المنظومة الشيطانية التي تتسلل من بين الشقوق وتتغذى على الارتباك والخلافات المفبركة. منظومةٌ لا تتحرك في العلن، بل بدهاء الظلال؛ تندسّ بين الصفوف، وتسمّم الأفكار، وتحول الحراك من مشروع إصلاح إلى ساحة صراع داخلي طاحن .
هذه المنظومة — بما تملكه من أدوات الإقصاء وما تحيكه من مؤامرات صغيرة — تجعل الحراك يبدو وكأنه يبتلع نفسه. فهي ليست مجموعة أشخاص فقط، بل عقلية كاملة تتقن صناعة الانقسامات، شبكة عنكبوتية او مافيات تستثمر في الفوضى، وتشجع على تقسيم الصف إلى صفّين… ثم إلى صفوف متناثرة.
وفي ظل هذا المشهد المرتبك، يصبح الحراك الثاني نتيجةً حتمية لا خيارًا.
فحين تُغلق الأبواب، ويتحول الحراك الأول إلى عنوان بلا مضمون، تبدأ القواعد الشعبية — بعفويتها وصدقها — في البحث عن مخرج جديد. تبحث عن صوتٍ لم يتلوث، وعن قيادةٍ شابة لم تتواطأ، وعن رؤيةٍ لم تفتك بها السجالات الداخلية.
وهكذا يولد حراك داخل حراك…
ليس لأنه مرغوب، بل لأنه ثمرة عجز القيادة الأولى، ونتاجُ ثغراتٍ صنعتها المنظومة الشيطانية التي تتغذى على ارتباك التنظيم وتناقضاته.
إن أخطر ما تواجهه الحركات الإصلاحية اليوم ليس الخصوم الخارجيين، بل هذا الضعف الداخلي الهشّ الذي يسمح للثغرات أن تتسع، وللظلال أن تتحول إلى كتل، وللفوضى أن تصبح واقعًا ملموسًا.
وعندما ينشغل الحراك بمقاتلة الحراك، يفقد الاثنان القدرة على مقاتلة الخلل الحقيقي: الإصلاح نفسه.
عندها يتحول التنظيم إلى ساحة يتقاتل فيها الأبناء، بينما المنظومة الشيطانية — التي سرقت القرار والوضوح — تواصل ابتلاع كل محاولة للإنقاذ، لأن الفوضى تُغذي مصالحها وتُسمن مكاسبها مع أنها تعلم بدبة النملة اي نملة واي دبة.
إن حراكًا بلا إدارة، وصوتًا بلا قيادة، ورؤيةً بلا حماية… تتحول كلها إلى دوامة.
ولكي يُكتب للحراك حياته، لا بد أن يعود إلى جوهره الأول: إصلاحٌ لا انقسام، وحدةٌ لا تشردم، مواجهةُ الخلل وتفتيتُ الأزمات من خلال فلسفة تتكأ على العصف الفكري في كتابة تقارير الخلاص والتقويم — لا مواجهةُ بعضهم البعض.
فالحراك الحقيقي لا يخرج ليهدم التنظيم… بل ليعيد إليه روحه التي نزعها العابسون.
ولا يقاتل أبناءه… بل يقاتل المنظومة التي شاخت حتى صارت ظلًا شيطانيًا يخنق كل محاولة للنهوض، ويقتل أحلام الشباب في مهدها ليدفنها الحانوتي ؟