بين الطبيب والمريض
عدلي صادق
بين الطبيب والمريض
كتب النقيب السابق للأطباء المصريين، وهو الأستاذ المرموق في طب القلب د. حمدي السيد؛ مقالاً أرشادياً في عدد أمس الثلاثاء من جريدة "الوطن" المصرية، سلّط فيه الضوء، على بعض ما يجري في سوق ومراكز ومشافي وعيادات العلاج في بلاده. وفي الحقيقة، يُعد ما كتبه د. حمدي السيد، جديراً بالتعميم، لكي يقرأه الأطباء في فلسطين وسائر الدول التي أصبح فيها العلاج مرهقاً للمرضى، مادياً ونفسياً، وتحولت فيه أسواق العلاج، الى ميدان للتربح المُبالغ فيه، بالنسبة لكثير من الأطباء الذين أدوا قسم النزاهة في أداء عملهم، وكان من أهم واجباتهم حيال شعوبهم، التخفيف من أثر المصيبة المتمثلة في تردي مستويات المشافي الحكومية، وخلوها من أي ملمح لما يُسمى "الحوكمة الطبية" التي تُدار بها مشافي الدول المتقدمة، فلا يُتاح فيها مجال للخطأ الطبي، ولا للابتزاز على صعيد كلفة العلاج، ولا لانفراد طبيب فرد، بإنسان مُبتلى بمرض خطير، لكي يحسم سياقات طبابته.
د.حمدي السيد، يتحدث من موقع اختصاصه، عن تخليق بعض الأطباء لأعراض كاذبة، لأمراض القلب، واستغلال بعض الأطباء المرضى، وإيهامهم بأنهم في حاجة عاجلة إلى تركيب دعامة، فيرسلونهم الى أصدقاء لهم، يتقاضون منهم العمولات والأكلاف. وقال إن هذه ظاهرة منتشرة للأسف. وناشد الأطباء عدم ممارستها، قائلاً إن المريض يأتي اليه ويقول، إن أحد الأطباء أكد له أنه في حاجة الى عملية قسطرة لتسليك الشرايين، وتظل هذه الدعوة عالقة في تفكير المريض، وتحتاج إلى جهد كبير للإقناع بغير ذلك. والمشكلة ــ حسب أستاذ الطب الكاتب ــ أن جهاز قسطرة القلب الذي يتكلف عدة ملايين من الجنيهات المصرية، أصبح منتشراً في جميع أنحاء البلاد، كنوع من الإستثمار الإقتصادي لأصحابه، ما يتطلب تشكيل شبكة من الأطباء المتعاونين مقابل عمولات، وفي المحصلة يدفع المرضى تكاليف عاليه، علماً بأن الكثير من الحالات لا تستحق القسطرة، بحكم ضآلة الأعراض التي يمكن إزالتها بالعلاج الدوائي وبتنظيم الحياة والامتناع عن التدخين وعلاج السكري والضغط. وفي هذا السياق، يجري التلاعب في قضايا الشرايين، ويُساء استخدام وسائل الفحص وطرق معاينة أسباب التدخل الطبي، التي تتطلب عرض المريض على لجنة ثلاثية فيها جرّاح وطبيب قلب غير مشارك في إجراءات القسطرة، لتقرير ما إذا كان المريض يحتاج ــ علمياً ــ الى التدخل الجراحي من عدمه. ويقول د. حمدي السيد، إن المنظومة الطبية في كل بلد، تحتاج الى لائحة صارمة لآداب المهنة، لإحباط كل الممارسات التي لا تليق بقداستها.
لعل من بين أهم التوجهات التنموية الجديدة في مصر، ما يتعلق بتطوير القطاع الحكومي الصحي، الذي هو من أكثر قطاعات الخدمات أهمية واتصالاً بمصائر الناس. ولا نبالغ إن قلنا إن الحكم على نجاح الحكومات أو خيبتها، يأتي من خلال نظر الشعوب الى مستوى وفاعلية المؤسسات الطبية المملوكة للمجتمع. فعندما تصرف الحكومات ببذخ، على مظاهر وترف الممسكين بمقاليد السلطة ــ بشراء السيارات الفارهة، وتوفير وقودها للمسؤولين، مع نثريات ورواتب عالية وأكلاف سفر وإقامات في الفنادق، ورحلات بالطائرات بلا مردود سياسي أو اقتصادي ــ كما في بلادنا فلسطين ــ وفي الوقت نفسه، تفشل فشلاً مفضوحاً في تطوير الخدمات الصحية للمواطنين، تقع الطامة الكبرى. وتزداد هذه الطامة، فداحة، عندما يُصار الى دفع أكلاف باهظة، على التحويلات العلاجية الى الخارج، لمعالجة أبسط الأمراض بالمعايير العلمية الطبية، وتتداعى الأمور أكثر، من جراء عنصر الإنتقاء، الذي يجعل التحويلة الطبية غير متاحة لمن ليس له شفيع، فينشأ خط مُضنٍ من خطوط تغذية الإحتقان الإجتماعي!
مع ذلك كله ومضاف اليه، يستمر إطلاق العنان في سوق العلاج، لأطباء أخصائيين في عياداتهم، للتربح الفاحش، من خلال رفع أجور الكشفيات والعمليات، وغياب أية لائحة تنظم العلاقة بين المريض والطبيب، فترعى حق الأول في العلاج الذي لا يرهق أسرته مادياً، وحق الطبيب في أن ينال أجراً معقولاً!