صيف ساخن وتداعيات متداخلة
عدلي صادق
صيف ساخن وتداعيات متداخلة
بمعايير الطقس، بدأ صيف هذه السنة مبكراً وساخنا، تعلو حرارته عن معدلاتها في سائر السنين. ولعل ما تزيد حرارة هذا الصيف التهاباً ومشقة، التداعيات السياسية والأمنية، والإجتماعية ــ الإقتصادية، والسجالات الكثيرة، التي تؤثر سلباً على السيكولوجيا الجمعية للناس وتربك الكيانات في إقليم المشرق العربي. وفي الحقيقة، تتدرج أو تحتلف إرادات وعزائم الممسكين بمقاليد الأمور في الأقطار القريبة، في معدلات حرارتها، وفي مدى قدرتها على أداء واجبها في دفع الطوفان الى الوراء. ففي هذا السياق، يتجدد عزم المصريين على محاصرة سرطان الإرهاب الخبيث الخائن الملتحي، وإلحاق الهزيمة به واقتلاعه. وفي الأردن، أقلعت الدولة، لكي تقصف مواقع الفساد المتفشي الذي سمم المُناخ الإجتماعي ــ الإقتصادي. وفي سوريا، تتحرك الأطراف كلها، بأدوارها ومقاصدها، ببطء وعناء وحيرة، ما خلا عزم بقاياها على تدمير المشروع الظلامي الذي لا يُحتمل، باعتباره أفدح وأعتى من الديكتاتورية التقليدية. ويمر لبنان، في هذه الساعات، بسجالات غير مسبوقة، إذ تتصادم الإرادات، على مستوى المكونات الطائفية وتمثيلاتها السياسية داخل الدولة، وتخوض ضد بعضها البعض، حرباً باردة، يُخشى أن تنقدح على أي محور من محاورها، شرارة الصدام الساخن!
لا موجب للذهاب الى مسافة أبعد من قلب المشرق، وصولاً الى الأطراف في الخليج، وجبال اليمن، وتضاريس ليبيا، وغليان السودان. ما يعنينا، أن وراء كل تداعٍ، يكمن الشيطان، أو إن شيطاناً كتب سيناريو المحنة، وصنع الأدوار، وأحضر الممثلين قبل أن تحاصره إرادات الشعوب وعزائم الدول، وبمشاركة ما تبقى من مجتمعاتها قادراً على الذود عن مصائرها.
في خضم هذه اللُجة الُمُضنية، تتبدى الأحوال في فلسطين شبيهة بالكوميديا السوداء، المرسومة على شكل مربع صعب للكلمات المتقاطعة. فلدينا سلطتان تقتسما حال اللا سيادة. وبدت الخارطة الفلسطينية التي حددتها التسوية، وفصلت بين جزئيها المُحتل والمحاصر؛ أكثر تباعداً وأصبح لكل جزء منهما، حزمة سميكة، تخصه، من رزايا الحال ومشكلاته. ولا إقلاع لوقف أي سياق خاسر.
وكلما ازداد العدو جموحاً وتوسعاً إستيطانياً في الضفة، أو قتلاً في غزة، عبر الحدود أو من الجو؛ تزداد الخصومات الداخلية جموحاً وتتسع، وتمو أكثر فأكثر، لغتها وثقافتها وحتى فلكلورها وتعليلاتها ونعراتها المناطقية. وفي الأثناء، تتورم ظاهرة الأدوار الغامضة، وظاهرة العميل الواضح، وظاهرة الإضرار عن سبق إصرار وتقصد، بحياة الناس خصماً من أكلاف عيشها، بل خصماً من أرغفة خبزها.
وفي هذه الكوميديا السوداء، يتبدى الظالم مظلوماً. فكلما تضخمت في دواخله أوهام الجبروت في علاقته مع المجتمع، إزداد بؤساً، بمعيار الحال العامة وفي حسبة الإنجازات والربح السياسي، حتى لم يتبق لإحدى السلطتين وأكبرهما، سوى بعض تصاريح الحركة، وبالنسبة للأخرى، بعض مسافة قصيرة، تُتاح للصيادين في بحرهم. أما حركة البضائع، فهي أولاً لفائدة المصدر الإسرائيلي صاحب المنتوج!
بالطبع، لن تساعد هذه الحال الداخلية الفلسطينية، إلا على زيادة كل أنواع المحن والسجالات ومفاقمتها، لا سيما وأن الفرضيات النظرية لشروط قيام الكيانات، وفي قلبها الوثيقة الدستورية والقانون الذي تنحني له كل الهامات؛ غير واردة في حيز التفكير، فما بالنا بفضاءات الحياة ومجالات التطبيق!
نحن أمام تهديد الطوفان، وما الإنكشاف اليومي لممارسات الفساد ومفاعيل الاستحواذ على المقدرات المتاحة ــ وهو انكشاف يسهم فيه العدو مع الأخ ــ إلا أحد أشكال الهجوم، لكي تصفو أجواء الصهيونية للتوسع الإستيطاني ولإحكام الحصار والإستمرار في القتل وفي سد الآفاق.
يلح علينا، في هذا الصيف الساخن، وحيال كل التداعيات المتداخلة، سؤال المصير: هل ينتهي الإنقسام وتصفو أجواؤنا، بتحقيق المصالحات الرئيسة، أم إننا سنظل نخنق أنفسنا وقضيتنا بأيدينا؟!