خاص بالفيديو|| المنسيون في النهر البارد يتحدثون لـ الكوفية: هكذا تركنا المسؤولون نغرق في القمامة والمرض
خاص بالفيديو|| المنسيون في النهر البارد يتحدثون لـ الكوفية: هكذا تركنا المسؤولون نغرق في القمامة والمرض
غزة- محمد عابد: تقع منطقة مخيم نهر البارد في الجنوب الغربي لمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، تلك المنطقة المنسية كسكانها، تُحيطها السوافي الرملية, في بدايتها مكب نفايات كبير ونهايتها مقبرة قديمة، رصدت "الكوفية" ملامح الفقر والشقاء واليأس والإحباط المحفورة في جدران دروبها وحواريها، التي تبدو للوهلة الأولى أنها منطقة مهجورة منذ سنوات.
"الكوفية" التقت سكان "نهر البارد"، الذين يسيطر عليهم الخوف والقلق كل صباح، خشية الاستيقاظ فلا يجدوا طعام لأطفالهم, بعدما أسقط المسؤولون المنطقة من حساباتهم، فانعدم عن بيوتها البسيطة، وسكانها المهمشين، الطعام والشراب والمسكن والملبس والكهرباء والماء النظيف والشعور بالأمن والآمان، وسيطرت عليها، الروائح الكريهة التي تنبعث من مكب النفايات، الذي أصبح ملعباً لأطفالها.
مخيم نهر البارد
أطلق اسم "مخيم نهر البارد" على المنطقة، من قبل سكانها، في محاولة للفت انتباه المسئولين لمعاناتهم المشتركة بينهم وبين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي يحمل نفس الاسم، ذلك المخيم الذي تسكنه 84 عائلة منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، بعد أن قام أحد الأشخاص ببيع العديد من قطع الأراضي الحكومية بأسعار قليلة جدا لتلك العائلات، ليقوموا فيما بعد بالاستقرار في تلك المنطقة في بيوت عشوائية تفتقر إلي أبسط مقومات الحياة، فلا قواعد بناء لها، جدرانها مهترئة ونوافذها شبه معدومة، وإن وُجدت فإما مكشوفة أو مستورة بأقمشة بالية وأكياس النايلون، وألواح الصفيح "الزينكو" المتشققة تُغطي أسقف المنازل، بيوت من صفيح مغطاة بالنايلون تفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية.
الحياة وسط العقارب والثعابين
المواطنة أم كامل زعرب، 54 عامًا, أحد سكان منطقة نهر البارد, قالت لـ"الكوفية": "سكنت منطقة نهر البارد منذ 11 عامًا، أطفالي تربوا هنا، وتزوجت بناتي الخمسة في هذا المكان، نعيش هنا في مأساة حقيقية بدءًا من المواصلات المعدومة، فحين تريد الخروج إلي أي مكان تضطر للخروج مبكرًا بساعتين، لأنك ستضطر أن تسير علي قدميك مسافة طويلة، وحين تريد الذهاب إلي عيادة الوكالة عليك الاستيقاظ من السادسة صباحًا، المدارس بعيدة جدًا عن منطقتنا، الحشرات بأعداد هائلة بسبب مكب النفايات، ثعابين، وعقارب، تدخل منازلنا، في حال كان التيار الكهربائي مشتعل فانك تنتبه لها، وفى حال انقطاع الكهرباء لن تراها".
الزواج المبكر للفتيات
السيدة الخمسينية قالت: "لا يوجد لدينا بديل عن هذا السكن، تواصلنا مع كافة المسئولين في الحكومة، ولكن كلها وعود فارغة، وفيما يخص وكالة الغوث لم تعترف بنا أصلا بسبب سكننا في منطقة أرضها تعود للحكومة، نحن لدينا اشتراك كهرباء فقط للانتفاع بعد خمس سنوات، وكذلك اشتراك المياه، ودفعنا ثمن أعمدة وأسلاك الكهرباء، ولا زالت هناك بيوت لم تدخلها الكهرباء حتى اليوم"،
وأضافت: "من شدة الفقر الذي نعيشه نضطر إلى تزويج بناتنا مبكرًا، لقد قمت بتزويج بناتي الخمس وهن لم يتجاوزن سن الخامسة عشر، أخر بناتي قمت بعقد قرانها وهي في سن الرابعة عشر، وكذلك قمت بنصح زوجي أن يتزوج فتاة موظفة لتساعدنا على تحمل معاناة الحياة ".
وأوضحت أم كامل خلال حديثها لـ"الكوفية"، أنها لم تترك مجال عمل إلا وخاضته، فقد عملت خادمة في المنازل، وكذلك بائعة خضروات علي بسطة شعبية، وفي محل بقاله، وعلي بسطات ملابس، وقبل إغلاق المعبر عملت في مجال تجارة الحقيبة علي طريق معبر رفح.
أنغام ضحية الفقر
جلست الفتاة أنغام زعرب، 23 عامًا، في الزاوية الأخرى من ذات المنزل، تتذكر معاناتها ومآساتها، فالظروف التي تعيشها عائلتها، دفعتها إلى الزواج مبكرًا في سن الرابعة عشر، وأصبحت أم لطفل في سن الخامسة عشر، وفي سن العشرين عاماً قامت بخلع زوجها، الذي هاجر إلي السويد، وتركها في بيت عائلته، ولم يتواصل معها ولم يطمئن علي طفلتهم، ولا يعرف شيء عنها لا هو ولا عائلته، وعادت أنغام إلي نهر البارد لتقضي عامًا ونصف العام، بين المحاكم خاصة أنها هي من أرادت خلع زوجها، حتى حصلت علي الطلاق والحرية، وبعد عامين من طلاقها بدأت طفلتها تعاني من الأكزيميا المزمنة التي انتشرت في كافة أنحاء جسدها، بسبب لعب الأطفال في الرمل والقمامة، القريبة من السكن.
العلاج لمن يملك الثمن
"أنغام" قالت: "قمنا بقص شعر ابنتي بالكامل حتى تتعافي ولكن بلا جدوى"، موضحة أن ما يزيد عن 80% من أطفال المخيم يعانون من نفس المرض، بالإضافة إلى مرض الجرب الجلدي, والأمراض الصدرية الناتجة عن الروائح الكريهة المنبعثة عن مكب النفايات، مضيفة: "رغم كل ذلك لا أحد يقدم لنا المساعدة في علاج أولئك الأطفال الأبرياء، خاصة أن علاج تلك الأمراض مكلف جدا وأنا وعائلتي لا نملك ثمنه".
الحياة أسفل مكب النفايات مباشرة
أسفل مكب النفايات مباشرة، سكنت أم لؤي حنيدق، واحدة من سكان منطقة نهر البارد، لديها تسعة أطفال، زوجها أصيب بمرض الرعاش، وهى أيضا مريضة بأزمة صدرية.
"السيدة حنيدق" قالت لـ"الكوفية": "نعيش في منطقة نهر البارد حياة لا تشبه الحياة, فالأطفال هنا يعيشوا ظروفًا غير إنسانية، الجميع يعانى من الأمراض، التي لا يمكن حصرها، منازلنا عبارة عن بيوت من طين لا تشبه المنازل، الكهرباء والمياه تزورنا على استحياء، المدارس بعيدة جدًا عنا، ولا يوجد شيء من مقومات الحياة، ناهيك عن محاولات تحرش بعض المختلين عقليا ببناتنا أثناء ذهابهم أو إيابهم من المدرسة.
وأضافت: "الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة دفعت الأهالي إلى إخراج الفتيات من المدارس وتزويجهن مبكرًا بسبب ضيق الحال".
وتبقي معاناة سكان منطقة نهر البارد أكثر المناطق المنسية في قطاع غزة , شاهدة علي استهتار المسئولين، الذين تركوا المواطنين يدفعون يوميًا فاتورة التهميش، بعدما تخلوا عنهم، وتركوهم يغرقون في النهر البارد.
الكوفية