نشر بتاريخ: 2019/04/30 ( آخر تحديث: 2019/04/30 الساعة: 01:05 )
حسن عصفور

عباس وخطاب الوداع السياسي!

نشر بتاريخ: 2019/04/30 (آخر تحديث: 2019/04/30 الساعة: 01:05)

في أول نشاط لرئيس "سلطة الحكم المحدود" محمود عباس، بعد عودته سالما من فحوص طبية، تعمد ان يخاطب الشعب الفلسطيني عبر منصة لقاء حكومة رام الله، كرسالة سياسية – شخصية، بدلا من تقديم توضيح عن حالته الصحية، استمرارا لحالة الاستخفاف التي تسيطر على الواقع في تعامله مع أهل البلاد.

وبعيدا، عن تلك المسألة، فما جاء في خطابه يوم 29 أبريل 2019 هو ما يثير اهتمام الشعب الفلسطيني، وربما المحيطـ، أكثر مما وصلت اليه حالته الصحية، ما دام التعامل معها بات قضية "عائلية"، فمن حيث الشكل، سقط عباس في أسلوب التخاطب مع الدول العربية عندما أشار الى ما طلبه من "شبكة امان مالي"، حديث لم يحسب حساب كلماته فاستهتر بهم دون تمييز.

حركة عباس نحو الدول العربية على الهواء مباشرة، ستكلف الشعب الفلسطيني كثيرا، وربما لن يجد من يقدم له أي دعم مضاف غير المقرر سابقا، خاصة بعد أن كشفت دولة الاحتلال عن ارقام المقاصة التي يصر على رفضها بلا منطق، سوى أنه قرر رفض 90% من أموال الفلسطينيين (أموال المقاصة) مقابل الـ 10%، فبدلا من استلام ما هو حق وهي مبالغ كفيلة بتخفيف كبير للأزمة، ولا تدفعه للتوسل غير المبرر، يصر على رفضها دون بديل سوى مزيد من تجويع أهل فلسطين.

أسلوب التعامل في حديث عباس سيبني حجرا مضافا بينه وغالبية القادة، ان لم يكن جميعهم، ما سيزيد من معاناة سياسية – اقتصادية للشعب الفلسطيني، وكان أجدر بالمتحدث باسم رئاسة سلطة الحكم المحدود توضيح اقوال عباس، بدلا من التمسك بها.

الى جانب الضرر الذي سيتركه ذلك الحديث عربيا، فما كان منه حول الشأن الداخلي، وخاصة ما يتعلق بـ "المصالحة وانهاء الانقسام"، وضع نهاية عملية لأي محاولات ممكنة، وأغلق الباب أمام أي جهد يمكن ان يكون من أي طرف داخلي أو من قبل الشقيقة مصر.

عباس لخص مطالبه في مصالحة بما يتسق ومضمون "العلاقة الأمنية" مع دولة الاحتلال، فقد أكد بوضوح مطلق ان، لا مصالحة في ظل "تعددية الأجنحة المسلحة" للفصائل، التي وصفها بـ"الميلشيات"، وصف تجاوز كل حدود الاختلاف في التعامل، فوصف تلك الأجنحة العسكرية ومنها "كتائب القسام" و"سرايا القدس" و"كتائب شهداء الأقصى" و"أبو علي مصطفى" و"المقاومة الوطنية"، وغيرها، بتلك الصفة الخارجة عن النص الوطني، تمثل رسالة قاطعة أن "العقدة الفعلية" للرئيس عباس لم تكن مسألة "التمكين" كما روج كثيرا ، بل كيفية الاستجابة للخلاص من تلك الأجنحة العسكرية، متساوقا بصراحة كاملة مع الطلب الإسرائيلي، بحل تلك الأجنحة وتصفيتها، وعباس هنا منح حكومة نتنياهو "مبررا مضافا"، بعد أن اعتبرها "غير شرعية" ويجب حلها.

جيد ان قالها بصوته امام العالم، وباتت مسجلة كي لا يقال انها حالة تصيد من وسائل الإعلام، ويصبح الجدل حول سياق الكلام، فهو حدد طلباته، بـ قانون واحد وسلاح شرعي واحد"، ولا مكان للمليشيات حيث لا يمكنه التعايش معها.

شروط عباس الجديدة تغلق الباب كليا امام جهود انهاء الانقسام، بعد طلبه ذلك كونه يعلم يقينا انه لن يجد حتى من بين تياره غالبية تؤيد مطلبه الشاذ وطنيا، وذاك الوصف يشيطن أيضا كل عمل مقاوم مسلح في الضفة الغربية، ما يضع عقبات مركبة في طريق المصالحة.

شروط عباس الجديدة هدية سياسية صافية للمشروع الأمريكي – التهويدي كونها تغذي استمرار الحالة الانقسامية الفلسطينية، التي هي السلاح التنفيذي لتمرير ذلك المشروع.

مرحلة جديدة قد تفرض ملامح عمل جديدة...فما بعد خطاب عباس يوم 29 ابريل شيء وما قبله شيء آخر...هو خطاب الوداع السياسي لمرحلة وعنوان لمرحلة تختلف كثيرا عما سبقها...ما يستدعي لقاء لكل من يرى خطرا في خطاب عباس من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه من "الشرعية الوطنية" قبل فوات الآوان.

ملاحظة: لا يجوز استمرار صمت حركة حماس على قيام السلطات التركية بقتل فلسطيني تحت التعذيب، خاصة وأن الشاب من قطاع غزة حيث هي سلطة الأمر الواقع، الى جانب ما لها من "دلال سياسي" خاص مع سلطات رجب!

تنويه خاص: معقول يكون تم نصب "كمين سياسي" لعباس بان ترك يتحدث كما يريد دون تنبيهه بأن حديثه مذاع على الهواء في جلسة حكومته...وبعد أن تورط في الحكي تم تذكيره، فلم يملك سوى الاندهاش...شكله فيلم مدروس فخامتك