نشر بتاريخ: 2019/04/27 ( آخر تحديث: 2019/04/27 الساعة: 10:46 )
عدلي صادق

قبل أن يهُز المؤرخ قلمه

نشر بتاريخ: 2019/04/27 (آخر تحديث: 2019/04/27 الساعة: 10:46)

عادت الى خط الأنباء، تصريحات التنادي الى العودة لمحاولة تحقيق المصالحة والتوافق الوطني على استراتيجية العمل الوطني لمواجهة أخطر التحديات. ولا زالت هذه التصريحات دون المستوى حتى في أوضاع الخطر المعتادة، ولا براهين فيها على الجدية، على الرغم من حال الخطر الداهم في هذه الآونة، مع بدء فرض التسوية الإسرائيلية علينا كفلسطينيين وعلى الإقليم والعالم، تحت العنوان القبيح الذي يسري في الأرجاء وهو "صفقة القرن"!

نحن الفتحاويين، سواء كنا ممن يجاهرون بمعارضة النهج الحالي لقيادة السلطة والحركة ويطالبون بالإصلاح الديموقراطي، أو ممن يلتزمون الصمت أو يهمسون   ويعبرون عن طموحهم  الى هكذا إصلاح؛ نؤيد التوافق ليس بشروط كل طرف على الآخر، وإنما بالشروط الموضوعية التي ينبغي أن ينصاع لها طرفا الخصومة، وهذه شروط تتعلق بوجوب التزام استراتيجية عمل وطني واحدة واقعية ولا تفرط، وصلبة لا تنكسر، وسقفها الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 وبناء الدولة الفلسطينية القادرة على الأخذ بناصية العملية التاريخية لإستكمال نيل الحقوق ولجم المشروع الصهيوني الطامح الى الهيمنة على الإقليم كله.

حتى الآن، يتبدى عجز كلٍ من طرفي الخصومة، عن خلع رداء الوهم والعناد والغرور الفئوي والقبضة الأمنية. ونحن في تيار الإصلاح الديموقواطي، إيجابيون في التعاطي مع فرضية المصالحة التي تبدأ بلقاء عباس وحماس وتوافقهما على الذهاب الى مسار ديموقراطي يُمكّن للإرادة الشعبية ويُنحي جانباً منطق التفرد والإقصاء والسجالات وبيع الأوهام والتركيز على العورات. ولا محل اليوم، مثلما لم يكن هناك أي محل في الأمس، لفرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني، أو إنزال رؤساء بالمظلة، أو الإنصياع لطرف يزعم الحكمة والرشاد لنفسه.

فقد بات واجباً على الجميع، أن يقرأ المشهد الفلسطيني بواقعية لكي لا يكذب على نفسه وعلى الآخرين. فلا يختلف اثنان، على أن الإنقسام الفلسطيني مصلحة إسرائيلية. ثم إن كل التدابير الضالة التي استهدف بها كل طرف، الطرف الآخر، استفاد منها المحتلون، وتعمدوا مفاقمتها وتطويرها لكي يصبح اذاها على المجتمع الفلسطيني وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية أسوأ وأفدح: انفصال غزة غن الضفة وانقسام الورقة السياسية الفلسطينية وانشطار الكيانية الفلسطينة، ساعد كله على جر "صفقة القرن" الى بلادنا لتضييع قضيتنا، والقبضة الأمنية في كل من الضفة وغزة، جعلت المجتمع يرى أن مرحلة الإحتلال كانت أسهل للحياة وأسهل للمقاومة.

وقمع الحراك في غزة وتكميم أفواه الناس في الضفة، جعل العدو أكثر وقاحة في ممارسة العنف، سواء بالإعدامات الميدانية في الضفة أو بالقصف الجوي لغزة. وقطع أرزاق الأسر بالجملة، شجع العدو على تطوير الممارسة من جانبه لكي يُصار الى قطع مخصصات أسر شهداء قضوا منذ عشرات السنين. فكل ما أنتجته الفتنة وأنتجه الإنقسام، جاء وبالاً على الشعب الفلسطيني، ولم يكن المجتمع هو وحده الخاسر.  فقد ارتكست المنظومتان الحزبيتان المتخاصمتان في حضيض غير مسبوق، فلم تدرك حماس مجداً، ولم ولن تنفعها جماعة " الإخوان"  حتى ولو تجددت "المنحة" القطرية  مرات  ومرات، أما عباس فلم يحظ إلا بالمأزق وبكراهية المجتمع والطبقة السياسية لنهجه ولتفرده، ولم تنفعه لغته التي تقدس التنسيق الأمني ولم ينفعه المستفيدون من هذا التنسيق، ولا قدّر الأمريكيون له مجاراته لهم في وصف المقاومة إرهاباً.

 فمهما قال الطرفان في مديح كل منهما نفسه، سيكون المشهد الفلسطيني كافياً للحكم على كليهما بالفشل والخيبة!

لقد بات الإنصياع للشروط الموضوعية التي أوجبت إنهاء الإنقسام، أمراً إجبارياً، وفي هذه الحال، لا يُعتد بشروط كل طرف على الآخر. فالشروط الموضوعية التي يُعتد بها، تتعلق باستعادة المؤسسات وبإنهاء التفرد، وبرفع القبضتين الأمنيتين، وبالتمكين للإرادة الشعبية.

إن لم يذهب الطرفان الى التوافق على خارطة طريق للخروج من المأزق، ستكون حماس قبل عباس، مسؤولة، بقلم المؤرخ، عن تمرير "صفقة القرن" لأن هذه التسوية الإسرائيلية ستبدأ بغزة، بحكم استمرار الإنقسام، وخضوع غزة لحكم حماس التي يركز عليها الأمريكيون الآن، إذ باتت غزة في حاجة الى الإغاثة أي أصبحت الموضع الأضعف إجتماعياً وسياسياً. وسيكون تمرير الصفقة بدءاً بها، كفيلاً بالإجهاز على وحدة الفلسطينيين وعلى قضيتهم تالياً.

وهذا ما ينبغي أن يدركه طرفا الخصومة قبل أن يهُز المؤرخ قلمه!