نشر بتاريخ: 2019/04/07 ( آخر تحديث: 2019/04/07 الساعة: 08:07 )
عدلي صادق

رمية نتنياهو وبراعة الرامي

نشر بتاريخ: 2019/04/07 (آخر تحديث: 2019/04/07 الساعة: 08:07)

ألقى نتنياهو بورقة الإنقسام الفلسطيني، مُلَمّحاً الى كونه من صنع إسرائيل، ومصرّحاً بكون هذا الإنقسام هو الذي يلائمها. كان ذلك في لحظة التعادل الحرح في استطلاعات الرأي، بينه وبين العفريت الصاعد الذي يؤرقه "أزرق أبيض". بدا في خواتيم الحملة الإنتخابية مستعداً لأن يقول أي شيء. فالمعركة بالنسبة له إما حياة سياسية تمتد لفترة أطول، أو الإرتكاس في الحضيض وفقدان السلطة وانطفاء قنديلِه، على النحو الذي يُغري خصومه بالعودة الى فتح ملفات الفساد، وتسهيل انتقاله الى السجن. وبقوة الدفع المصيرية، من خلال "الليكود" للإفلات من هذا الكابوس؛ حقق نتنياهو التعادل في الاستطلاعات، وربما رجحت كفته قليلاً. لم يتبق الا الكلمة الفصل من الصناديق!

في هذا الخضم، وجد نتنياهو نفسه مضطراً لإفشاء ما يستطيع من الأسرار أو اللعب بالتلميحات عن نجاحات له في العالم العربي. قال بخفة، إن الإنقسام الفلسطيني من مصلحة إسرائيل قطعاً، وأنه يمانع في أن يُعطى قطاع غزة لمحمود عباس، بمعنى أن إسرائيل حريصة على ألا يعود القطاع الى إطار السلطة الفلسطينية، لكي لا يستعيد الكيان السياسي الفلسطيني وحدته!

تلك إشارة، نادراً ما يلجأ مسؤول إسرائيلي الى مثلها. فالمسؤولون في الدولة العبرية يتكتمون على نواياهم ونواياها، بل ويكذبون ويتعمدون الإعراب عن نقيضها. ويبدو أن نتنياهو اطمـأن الى عدم وقوع الضرر من الإفصاح عن كون إسرائيل معينة بالإنقسام، من خلال يقينه أن الإشارة التي من المفترض أن تكون محرجة جداً لطرفي الخصومة الفلسطينية؛ ستمر مرور الكرام، ولن يخجل منها الطرفان، وأقصى من يمكن أن يحدث، سيكون لصالح إسرائيل، وهو أن الطرفين، سيجد منها في إشارة نتنياهو، الحُجيّة اللازمة لإدانة موقف الطرف الآخر. حماس تقول رداً على تصريح نتنياهو، إن عباس لم يتحد الإحتلال لكي يربح المصالحة، وهذا الأخير يقول إن حماس أعطت إسرائيل ما تتمناه، وفي القوليْن بعض الصواب!

بعد اسابيع من تراجع أسهم نتنياهو في الاستطلاعات، عادت مراكز الإستطلاعات نفسها التي أعطت تلك النتائج، لكي تُنبيء بعودة الزخم السياسي لنتنياهو. وحيال ارتفاع أسهم الفاسد مرشح "الليكود"، جاءت أطرف التعليقات ممن ينتقدون سياساته، كأن يكتب جدعون ليفي، وهو واحد من أشرس منتقدي السياسات الرسمية الإسرائيلية:"إن فوز نتنياهو برئاسة الحكومة سوف يُحرّر الدولة من عبء الخديعة. لأنه إذا نجح في تشكيل حكومة يمينية، سيَسْقط الحجاب وسينكشف وجه إسرائيل الحقيقي أمام جميع مواطنيها وأمام سائر العالم، بما في ذلك العالم العربي. ونحن، ومعنا العالم، سوف نرى إلى أيّ اتجاه نسير، ومَن نحن حقاً. وبذلك فإن الحفلة التنكرية، التي تجري منذ سنوات عديدة، سوف تبلغ نهايتها"!.

في سياق الحفلة النتكرية، استطاع نتنياهو أن يزعم أنه نجح في مد الجسور مع العالم العربي، وأن له أصدقاء كُثر، وأنه اعتمد سياسات جعلت الأطراف المتخاصمة، سواء في الإقليم أو في فلسطين نفسها، تتهم كل واحدة غريمتها بالتوطؤ مع إسرائيل.

وبقدر ما اشتكى من غزة وحاول التوصل الى تهدئة معها، يكذب ويتحدث عنها كمن يملك أن يمنحها أو يمنعها، قائلاً إنه لن يعطيها لعباس. وبهذه الرمية الملعوبة، يركز نتنياهو على الطرف الذي يحكم في غزة، لفضحه وإضعافه، لأن غزة هي المنطقة التي تبدأ من عندها الخطط ويظهر بشأنها جديد الخرائط. ففي غزة ومنها، يكون دق الوجبة الأخيرة من المسامير في نعش التسوية ومرجعياتها توطئة لتشييعها الى مثواها الأخير.

وحماس، كما يريد نتنياهو أن يؤكد، وكما لا يخلو الأمر من براهين على صواب ما يقول؛ هي صانعة الإنقسام الذي يلائم إسرائيل. هذا هو الذي يهم نتنياهو أن يقوله الآن تحديداُ. وعندما يأتي دور التعرض لعباس، سيقول عنه نتنياهو، دون أن يخلو الأمر من براهين على صواب ما يقول، إنه هو الذي أحبط كل محاولات المصالحة وإعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، من خلال اشتراطاته تعجيزية، لم يكن صعباً التغلب على موضوعاتها بالعديد من الصياغات.