معادلات الزمن الرديء
طلال عوكل
معادلات الزمن الرديء
ينما يجمع كل الفلسطينيين بكل أطيافهم واتجاهاتهم، على تشخيص صحيح لما يواجهونه وتواجهه قضيتهم وحقوقهم من مخاطر، تتعمق الفرقة والاختلافات فيما بينهم بشأن سبل مواجهة تلك المخاطر.
قد أصبح أكثر من واضح أن الحلف الأمريكي الإسرائيلي، بتواطؤ من قبل بعض الأنظمة العربية وبالاستفادة من ظروف أخرى، يسعى لتصفية القضية الفلسطينية. يدرك الفلسطينيون الآن أن هدف تصفية قضيتهم، كان هو عنوان المرحلة منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، فإن كان ذلك من خلال المفاوضات التي ينبغي أن تنتهي بالتوقيع على إنهاء الصراع، مقابل 22% من أرض فلسطين التاريخية كحد أقصى، فلا بأس، وإما إن لم يكن ذلك ممكنا فبوسائل الإكراه والفرض وبثمن يدفعه الفلسطينيون أيضا وبدون الحد الأدنى من الحقوق.
يعكس إدراك هذه الحقيقة اليوم غياب الإدراك بالأمس، وبدون أن نتجاهل ضعف الأداء الفلسطيني خلال المرحلة منذ أوسلو حتى اليوم، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني. لا مجال لاستدعاء بعض الانجازات التكتيكية المحدودة للتقليل من أهمية الاعتراف بهذه الحقيقة، ذلك أن واقع الحال لا يترك مجالا لتجميل هذا الواقع البشع.
فقط الذين يراهنون على أن تترك واشنطن الباب مواربا أمام إمكانية العودة للمفاوضات، هم من ينتظرون أن يتم الإعلان عن صفقة القرن، التي تعلن عن مضمونها في كل خطوة وموقف تتخذه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتتداوله عواصم كثيرة باستثناء الفلسطينيين. لو أننا وضعنا على الطاولة، كل ملفات وقضايا مفاوضات الوضع النهائي، وأخضعناها للمقارنة مع ما تقوم به إسرائيل على الأرض، وما يصدر من مواقف وسياسات وإجراءات من قبل التحالف الأمريكي الإسرائيلي، فإننا سنخرج باستنتاجات واضحة بشأن تلك الصفقة الملعونة.
يصادر التحالف الأمريكي الإسرائيلي ملف القدس، وملف اللاجئين، والاستيطان من وجهة نظر أمريكية شرعي، والدولة في غزة تحت عنوان إنقاذها إنسانيا، والأمن لإسرائيل، أما ما تبقى من حقوق ثانوية تصادرها الحقوق الأساسية.
لا ينتظر التحالف الأمريكي الإسرائيلي موافقة الفلسطينيين ولا يخشى مقاومتهم، طالما أن بالإمكان عمليا، فرض هذه الصفقة بكل مضامينها، بما في ذلك ما يتعلق بدولة غزة التي تحتاج إلى أموال وأدوات موجودة لإقامة بنيتها التحتية. يستطيع الفلسطينيون التبجح بمعاداتهم للسياسة الأمريكية ورفض الابتزاز المالي الذي تمارسه على السلطة ويستطيعون ما شاءوا ومتى أرادوا رفض مؤامرة غزة، واتهام بعضهم البعض بشأن قبولها، لكنهم جميعا مستثمرون حقيقيون في تسهيل تلك المؤامرة وفق حسابات غير حقيقية.
طريق المجابهة بحدها الأدنى معروف، والكل يضع يده على البند الأول من برنامج المجابهة، وهو تحقيق الوحدة الوطنية، لكنهم يفعلون كل شيء وأي شيء من أجل إفشال هذا الهدف. العقلية القبلية بامتياز في إدارة السياسة، تسمح بشخصنة التناقضات الثانوية وتقديمها على التناقض الرئيسي، وتسمح العقلية القبلية أيضا بتغليب الحسابات الخاصة على العامة، وسيادة منطق الانتقام والثأر على حسابات التسامح والترفع عن الصغائر. لو كانت هذه السياسة القبلية، ستؤدي إلى تمكين أحد الأطراف من القرار الوطني، والاستحواذ بأوراق القوة بما يؤهل الفلسطينيين لتعزيز قدرتهم على المجابهة، لكان الأمر مقبولا، لكن واقع الحال يقول أن توحد كل الفلسطينيين بالكاد يمكن أن يساعدهم على إفشال مخطط التصفية، فكيف إن كانوا ممزقين، متخاصمين؟.
واقعة التفجير الإجرامية المدانة التي تعرض لها موكب رئيس الحكومة رامي الحمد الله يوم الثالث عشر من هذا الشهر، قدمت سببا لما يشبه إعلان الطلاق بين فتح وحماس، رغم أن الأوضاع قبلها لم تكن وردية ولا واعدة بما هو أفضل من استمرار واقع الانقسام.
إن المتابع للأفعال والتصريحات التي أعقبت تلك الواقعة المجرمة، سيستنتج بسهولة أن الطلاق كان سيقع في كل الأحوال، فالاتهامات المتبادلة قبل ظهور نتائج التحقيق، تؤكد أن ثمة عملية توظيف لتلك الواقعة. علامات الاستفهام حول النوايا المسبقة تبدو أكثر وضوحا، فثمة من يدعو سكان قطاع غزة إلى التمرد على حماس، ومن حماس من يبدي استعدادا غريبا للحديث مع الولايات المتحدة، أما سكان القطاع فإنهم ينتظرون بقلق معرفة طبيعة العقوبات التي ستسقط على رؤوسهم التي تساقط منها الشعر، وباتت عرضة لضربات الشمس الحارقة.
وسط هذه الأمواج المتلاطمة التي تعكر صفاء المياه، وتعاني فيها السفينة الفلسطينية احتمالات الغرق، تغيب لغة العقل ولا تلوح في الأفق سوى سفن "الإنقاذ" الأمريكية الإسرائيلية، ويتأجل الأمل في الإنقاذ.