نشر بتاريخ: 2022/03/02 ( آخر تحديث: 2022/03/02 الساعة: 05:50 )
ناصيف معلم

الحرب الروسية الغربية في الإعلام

نشر بتاريخ: 2022/03/02 (آخر تحديث: 2022/03/02 الساعة: 05:50)

لقد قرأت عدد كبير من المقالات لعدد من الكتاب الذين احترم، لكن حقيقة كنت انتظر تزويد القاريء بمعلومات من مصادر أولية، وليس من مصادر إعلامية لا سيما وان الاعلام الغربي والعربي قد ابدع في هذه الحرب لانه اثبت جاهزيتة اكثر بكثير من الاعلام الروسي المهدد بالاغلاق من قبل الغرب، والاعلام الاخر المؤيد لروسيا الذي لم يصل للغرب اصلا.

لقد لعب الاعلام الغربي والعربي دورا سياسيا كبيرا ومبدعا في هذه الحرب، والمتتبع للقنوات العربية والعالمية يستطيع وبكل سهولة ان يكتشف هذه الشبكة الإعلامية التي تدار من قبل المخابرات الامريكية بالتعاون مع وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون. وحقيقة يلعب الصحفيون العرب والغربيون في هذه الحرب دورا اهم من دور الجيش في الميدان. فيما يلي مجموعة من الملاحظات حول الاعلام العسكري العربي والغربي.

أولا: ان المتتبع للفضائيات العالمية واهمها ما يلي: UATV EN, France 24, ABC News, CNN, BBC News, Fox News, Israel Kan, CNBC, يضاف اليها عدد هائل من الفضائيات العربية وعلى رأسها الجزيرة والعربية. ان المتتبع لهذه الفضائيات يجد بان مراسليها تم نشرهم على حوالي اكثر من 100 محورا في محافظات أوكرانيا العشرين، وتم انتداب ما بين ثلاثة الى سبعة مراسلين من كل فضائية من اجل التغطية الشاملة ليلا ونهارا. وعندما أقول تم نشرهم بشكل شامل بهدف لعب دور سياسي وليس دورا اعلامي، فانا مثلا ولليوم الخامس لم اجد مراسلان من فضائيتان مختلفتان موجودان في نفس المكان او المحور او القطاع. لا اعتقد ان نشر اكثر من 100 صحفي في 100 قطاع عسكري جاء بالصدفة!!!

ثانيا: اعتقد ان هناك شبكة اتصال بين كافة هؤلاء الصحفيين والمراسلسن، فعند حدوث خبر في محور ما او قطاع ما او قرية ما او قُرنة ما، فيقوم الجميع وبشكل مباشر بعملية البث ونقل الخبر باستعمال نفس الصيغة الإعلامية، وهذا يعني ان شخصا واحدا يكتب الخبر ويبعثه للمراسلين الببغاءات لنقله على الهواء بكافة اللغات.

ثالثا: كافة الفضائيات تستعمل نفس صيغة الفاعل وصيغة المفعول به، فجميعهم يعتبرون الفاعل هو “بوتن” والمفعول به هو “أوكرانيا”، وهذا يهدف طبعا الى ايصال رسالة للعالم الغربي بان الرئيس بوتن هو “هتلر”، أي يقوم بالحرب دون مرجعيات روسية، وذلك من اجل شيطنة الرئيس الروسي للحصول على اكبر دعم شعبي للحكومات الغربية لحكوماتها اليمينية التي تدار او تدور في الفلك الأمريكي.

رابعا: هذا الاعلام الموجه يعطي معلومات خاطئة حول مجريات الحرب، ومثال ذلك انهم يتحدثون عن قتل الأطفال والشيوخ والنساء من الاوكرانيين الا انهم لم يستطيعوا تصوير أي حادثة مما يتحدثون عنها، وهذا يعني ان هناك فبركات قادمة وإعادة للأفلام التي تم تلفيقها في سوريا حول الكيماوي.

خامسا: لعبت وما زالت تلعب دورا سياسيا اكثر من السياسيين، فهؤلاء هم من تحدث عن اقتراب سقوط العاصمة الأوكرانية كييف منذ اليوم الأول للعملية العسكرية، فهم من حمل رواية البيت الأبيض التي صاغها سياسيي الإدارة الامريكية، وهي حقيقة خطة في قمة الذكاء والابداع والمكر والخبث. فماذا تقول هذه الخطة؟؟

على الرئيس الاوكراني في اليوم الأول من الحرب بالظهور امام عدسات التلفزيونات يمثل دور الضحية المهزوم الذي تُرك وحيدا في المعركة، وذلك من اجل تجنيد الشعوب الغربية ضد روسيا، وليس ضد حكوماتهم التي تسببت في هذه الحرب. وتهدف أيضا الى إيصال رسالة للعالم ان روسيا دولة قوية عملاقة عسكريا بالمقارنة مع دولة أوكرانيا التي يتم وصفها من قبل الاعلام العربي والغربي بانها الدولة الصغيرة، الوديعة، والضعيفة التي تنزف دما امام العملاق الروسي”.

وحقيقة هذا ليس صحيحا، أوكرانيا دولة كبيرة جدا وقوية عسكريا جدا جدا. عدد سكان أوكرانيا حوالي 50 مليون نسمة، ومساحة أوكرانيا اكثر من 600 الف كيلومتر مربع أي انها اكبر 22 مرة من فلسطين التاريخية، أي انها اكبر ب 100 مرة عن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.

اما ترسانتها العسكرية فهي مهولة جدا جدا، اما جيشها فهو يعتبر واحدا من الجيوش القوية في العالم، والجيش الاوكراني بالمناسبة كان صمام امان انتصار الاتحاد السوفييتي على النازية ابان الحرب العالمية الثانية، هذا ناهيك عن أسلحة أوكرانيا الفتاكة بالرغم من عدم امتلاكها للأسلحة النووية، وبالمناسبة أيضا ان 100% من الأسلحة النووية الروسية من العهد السوفييتي كانت موجودة في أوكرانيا، الا ان الإدارة الامريكية والحكومات الغربية طالبوا بنقلها الى روسيا ابان حكم الرئيس يلتسن، لان يلتسن كان مواليا للامريكان وللغرب بشكل كبير جدا، ونقل الأسلحة النووية من أوكرانيا الى روسيا بطلب من الغرب، لان الغرب يعرف قدرات وعناد ومهنية الجيش الاوكراني الذي تم تشبيههه عربيا وغربيا بالاعلام بصفته حمل وديع يُقتل وهو يدافع عن الغرب وحيدا في المعركة.

سادسا: هاجر 120 الف اوكراني من أصول روسية من جمهوريتي دونيتسك ولهانسك الشعبيتين (الدونباس) الذي سماهم الاعلام العربي والغربي بالانفصاليين. فاللاجئين من هاتان الجمهوريتان تركوا بيوتهم قبل منذ ثلاث أسابيع جراء القصف الاوكراني على رؤسهم، والاعلام العربي والغربي لم ينقل أي خير عن ذلك مع العلم ان مراسلي الفضائيات العربية والغربية كانت موجودة في أوكرانيا، وعلى الحدود الاوكرانية والدنباس، الا انهم لم يذكروا خبرا واحدا عن عمليات التطهير العرقي التي قامت وما تزال تقوم بها القوات الحكومية الأوكرانية من اجل تهجير السكان وهدم بيوتهم الى الابد حتى لا يرجعوا الى ديارهم.

سابعا: الاعلام العربي والغربي يتحدثون عن جمهوريتي الدونباس بصفتهم مدينتان مع العلم ان مساحة الجمهوريتان يصل الى اكثر من 16 الف كيلو متر، أي ان مساحتها ضعف مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وعدد سكانها اكثر من عدد سكان الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

ثامنا: عادة هذا النوع من الاعلام، وبعد أسبوع من أي حرب يبدأ بالحديث عن معاناة السكان من الجوع والعطش لدى الضحية، فالسيناريو الذي اتوقعه هو تركيز هذه الفضائيات غدا او بعد غد عن إعاقة “بوتن” روسيا لوصول المساعدات الإنسانية من ماء وغذاء والأدوية للشعب الاوكراني، مع العلم ان روسيا لا تفعل ذلك، بل ستقوم بتفجير وإيقاف الأسلحة التي يتم شحنها الى أوكرانيا تحت عنوان مساعدات إنسانية.

تاسعا: هذا الاعلام يروج لرواية البيت الأبيض فيما يتعلق بارتفاع الأسعار وتحميل روسيا المسؤولية مع العلم ان قضية الأسعار هي من صناعة رؤوس الأموال الجشعة للحصول على المزيد من الأرباح جراء عمليات الاحتكار، والذي يحتكر هي رؤوس الأموال الغربية، وأيضا هناك رؤوس أموال روسية ستقوم باستغلال الفرصة لزيادة أرباحها.

عاشرا: يحاول الاعلام الغربي والعربي الحديث عن روسيا بصفتها وريثة الاتحاد السوفييتي الشيوعي مع العلم ان هذا ليس صحيحا، وقد وقع في هذا الخطأ الكثير من الكتاب الفلسطينيين الذين يعتبرون روسيا دولة شيوعية، هذا خطأ كبير، وروسيا هي ذات نظام رأسمالي لا تختلف كثيرا عن الأنظمة الغربية، لكن قد يكون شعبنا متعاطفون مع الروس لانهم يحاربون الغرب وعلى رأسهم أمريكا لان الغرب عامة وامريكا بشكل خاص هم حلفاء لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

أخيرا، علينا ان نعترف الان بان الاعلام العربي والغربي قد ابدعوا في دعم أوكرانيا ونظامها السياسي ودعم الغرب في محاصرة روسيا. اما الاعلام الروسي فهو ضعيف جدا رغم مهنيته، وسيكون اقل تأثيرا بعد محاصرته من قبل الحكومات الغربية. اما الاعلام المؤيد لروسيا فهو في اضعف حالاته، وشعوب الدول العظمى التي تحارب روسيا لم تتابع اعلام هذه الدول مثل الصين وكوبا والهندر وبلاروسيا وسوريا وفنزويلا وجزئيا كوريا الشمالية.

الحديث عن دور الاعلام المنحاز والموجه والمنقاد من قبل العم سام لا يعني انني مع احتلال الروس لاوكرانيا، فعلى الجميع رفض الاحتلال مبدئيا، وشعبنا هو اكثر شعوب العالم ممن اكتوى بنار الاحتلال الصهيوني. المشكلة عندما تتم العملية من خلال المكيال بميكيالين.