"ضمير المتكلم".. رواية تتحدث عن هدر الفرد والسعي لبناء مجتمع عربي فاضل
"ضمير المتكلم".. رواية تتحدث عن هدر الفرد والسعي لبناء مجتمع عربي فاضل
تدور أحداث رواية ”ضمير المتكلم“ الصادرة حديثا، للكاتب الجزائري فيصل الأحمر، حول 6 شخصيات مختلفة التوجهات والرؤى، في مرحلة حساسة من تاريخ الجزائر، بالتزامن مع انطلاق الحراك الشعبي وما ارتبط به من مشاعر متباينة.
ويسود في الجو العام للرواية الإحساس بالخوف من المستقبل والحذر من السقوط والانهيار والخراب.
وأمام تضارب المشاعر، يسعى الأصدقاء إلى إيداع أسرارهم لدى كاتب البلدة الموثوق، عله يترك وثيقة تدون الحقائق التي كان هؤلاء شهودا عليها طيلة نصف قرن.
وتتضمن الرواية مجموعة حكايات تروى بضمير المتكلم، وتسعى إلى تفريع المشاعر السلبية والتحفيز على إبداء الرأي وانتقاد الواقع وسلبياته.
وتخلد الرواية الأثر المتناهي في الصغر لشخص بائس تعيس سحقته ظروفه حتى لم يعد في يده أن يفعل شيئا سوى رواية حكاية لكاتب يائس يتهدده المرض، وتتربص به الحكايات بحقائقها المسمومة، وأكاذيبها التي قد تحبل فتنجب حقائق قاتلة.
حكايات كثيرة وأشخاص غير متوقعين، تتقاطع مساراتهم، لتنسج رواية تشبه جدارية تؤطر مصائر عديدة، أبطالها شخصيات تتحرك داخل قصة عن تاريخ بلد يقاوم ضد جميع أسباب الفشل.
هدر الفرد
وتركز الرواية على معاناة الإنسان المهدور في المجتمعات العربية، وكما يرى الدكتور مصطفى حجازي، فإن السعي إلى الحرية والديمقراطية يجب أن يلي بناء الإنسان وتمكينه.
يقول حجازي في كتابه ”الإنسان المهدور“: ”لا يمكن أن تكون هناك حرية أو ديمقراطية أو مواطنة في حالة هدر الإنسان.. فقط بعد الاعتراف بإنسانية الإنسان وكيانه بشكل غير مشروط يصبح المجال مفتوحا للحديث في الحرية وإقامة الديمقراطية ومجتمع المؤسسات، ووضع خطط تنمية يمكن أن يكون لها نصيب من الفاعلية والنجاح حين تتوسل الاقتدار العلمي والمعرفي“.
الرواية مسيرة شعب يصارع بجميع ما أوتي من قوة لصنع مصير مختلف، وبناء ملامح دولة يعرقلها ميراث ثقيل لمرحلة ما بعد الاستعمار.
وتقدم الرواية سردا لمسيرة حياة مجتمع مكون من فنانين وكتاب ومناضلين سياسيين ورجال أمن ومخبرين ورجال أعمال فاسدين، وعشرات البسيطين الذين ينتهون إلى أن يلعبوا أدوارا متفاوتة الأهمية والوقع، تتجاوزهم وتصنع بمعزل عنهم، ذلك المصير الكبير الذي يحيط بهم ويلفهم.
المنهج التفكيكي التركيبي
وبأسلوب سينمائي محكم، ينتقل المؤلف من حكاية إلى حكاية، ومن شخصية إلى أخرى، من خلال سرد يراعي التتالي الزمني، على غرار طريقة ألف ليلة وليلة، في مسارات عدة تتلاحم أليافها وتتقاطع فيها الهواجس والأحلام والآمال والخيبات، على الرغم من أنها تبدو معزولة، ولكنها تنتهي بأن تجتمع ببراعة لتشكيل رواية عن الحياة والموت، عن الحب والحلم والوفاء، عن الأنانية والحقد والهشاشة الإنسانية، عن فخاخ الذاكرة والمصائر المأساوية، عن الحراك الشعبي والحلم بإمكانية بناء مستقبل مختلف. كل ذلك وفقا للمنهج التفكيكي التركيبي.
مقتطفات من الرواية
يقول الكاتب بلسان أحد الأبطال: ”دعنا من الشبهات، ولنفكر في التاريخ، أليس كرنفالا مستمرا من احتفالات المنتصرين المنتصبين على المنصات في الساحات العمومية؟ نشوة الفوز والتغلب على مهزومين لا بد منهم لتمام هذا الفيلم. أليس صحيحا هذا؟ ثم أليست النتيجة الطبيعية هي أن يعيد الأواخر ترتيب صفوفهم لإعادة اعتلاء هذه المنصة في دورة تاريخية أخرى؟“.
ويضيف: ”السلم وهم، ليس أكثر من وهم. الغالب عندي أن مهمتك وهمية فقط يا صديقي المحقق. املأ أوراقك بأي شيء وعد إلى بيتك لأكل البطاطس المقرمشة مع زوجتك المهزومة وتفرجا على أكذوبة الأمن والسلم في التلفزيون، التاريخ حلقة لولبية من القلق والاضطراب، وما الهدوء فيه إلا عارض لا يدوم“.
ويتابع في موطن آخر من الرواية: ”كانت محكمة الزمن قد نطقت بحكم الإعدام في حقي. لم تبق لي إلا هذه الكراسات التي آتيك بها فيها كل شيء. ما سمعته ما خبرته وما أتصوره حول حقيقة هذه البلاد التي حدث فيها شيء غريب كالسحر أو اللعنة، فخرجت أفعى أسطورية برؤوس تمنع الناس من الحب فتمنعهم من الحياة، أفعى برؤوس عديدة، رأس تاريخي وآخر سياسي والثالث مزاجي، ثم رأس رابع ثقافي أو أنثروبولوجي غائر، يتسرب عبر كل هذه الرؤوس مهيمنا على أقوالنا وأفعالنا وأفكارنا، يهندس أمزجتنا ويجعلنا نتصرف بشكل وحشي ونحن لا نشعر بشيء“.
ديستوبيا عربية
يقول الأحمر، إن ”الحافز وراء تأليفي للرواية، تقديم نماذج بشرية تدور أساسا حول فنانين ومبدعين ومهتمين بالشؤون الفنية والثقافية في المدارس والمعاهد المليئة بالأحلام والتطلعات، أشخاص بسيطون ولكنهم مثقفون ممن كانوا غداة الاستقلال يطمحون إلى بناء بلاد متطورة فيها الفن والكتب والذوق“.
ويضيف: ”لكن الظرف السياسي والتاريخي يحول الجميع إلى مخبرين يتجسس بعضهم على بعض لفائدة رأس مدبر دون ملامح. يسقطون كلهم في الفساد بأشكال مختلفة، وينسون الحلم لينشغلوا بسبل تحقيقه، ثم ينسون هذه السبل لينشغلوا بحروب ذاكرة موشومة، وحاضر مشؤوم يتجاوز بجنونه الجميع ويطحن حتى صانعيه“.
وأوضح الأحمر: ”(ضمير المتكلم) رواية پوليفونية، متعددة الأصوات والنغمات، مبنية على أساس تناوب مجموعة من الأصوات على سرد حكايات متداخلة متلاحمة متواشجة بشكل غريب، أجزاء من حيوات وشهادات أناس يتكلمون جميعا بضمير المتكلم لقول جزئهم الخاص من الحقيقة الكبرى التي يعيشون أجزاء صغيرة منثورة منجمة منها، وتتوزع الرواية على 6 ليال تغطي أكثر من 40 عاما من الأحداث والوقائع والمصائر، مع تحقيق أمني يفتتح الرواية ويختمها ليصبح المؤلف والقارئ جزءا مهما من الحدث“.
والرواية من إصدارات دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2021، وتقع في 365 صفحة من القطع المتوسط.
الكاتب في سطور
فيصل الأحمر، كاتب وشاعر جزائري، يبلغ من العمر 48 عاما، يحمل شهادة الدكتوراة في النقد المعاصر. أستاذ محاضر في المدرسة العليا للأساتذة في قسنطينة وفي جامعة جيجل.
سبق أن صدر للكاتب مجموعة مؤلفات، منها: رواية ”رجل الأعمال“ عام 2003، وكتاب ”الدليل السيميولوجي“ عام 2009، والمجموعة القصصية وقائع من العالم الآخر“ عام 2002، ورواية ”أمين العلواني“ عام 2008، وديوان ”مساءلات المتناهي في الصغر“ عام 2007، وديوان ”مجنون وسيلة“ عام 2014، ورواية ”ساعة حرب ساعة حب“ عام 2011، وديوان ”الرغبات المتقاطعة“ عام 2017، وكتاب السيرة الذاتية ”خزانة الأسرار“ عام 2019.
وحاز الكاتب على جائزة وزارة الثقافة الجزائرية عام 1996، وجائزة سعاد الصباح في الشعر عام 2002، وجائزة رئيس الجمهورية في الشعر عام 2008، وتكريم من اتحاد الكتاب في مصر عن كتابات الخيال العلمي عام 2017. ينشر دراسات ومقالات في دوريات عربية عدة.
"إرم"