نشر بتاريخ: 2021/03/30 ( آخر تحديث: 2021/03/30 الساعة: 13:22 )

"الملف 42".. سؤال الكرامة والهوية في المجتمع المغربي بعد الاستقلال

نشر بتاريخ: 2021/03/30 (آخر تحديث: 2021/03/30 الساعة: 13:22)

يتناول الكاتب المغربي عبد المجيد سباطة، إشكاليات متعلقة بالذات والكرامة والهوية في المجتمع المغربي بعد الاستقلال، حينما يطرح قصصا مختلفة متواكبة سرديا في روايته ”الملف 42“ الصادرة عن المركز الثقافي العربي، 2020، والمتأهلة للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2021.

وتتجه تفاصيل الرواية للحديث عن كاتبة أمريكية تعثرت في كتابة روايتها الجديدة، وبعد إصرار من الناشر، تلجأ إلى السفر إلى المغرب، لاقتناص فكرة خارج الصندوق.

وتمضي ”الملف 42“ في عدة خطوط سردية متوازية، قد تبدو من جانب، مرهقة للبعض، لكن الكاتب كان يرى مزجا محوريا في نهاية العمل، ما بين كاتب أضاع مسودة روايته في مكان ما،  وخيط آخر يطرح فيه الكاتب معادلة الهرب من الواقع، لظروف مختلفة، ومعادلة الثراء في محاولة تجميل بشاعة الواقع.

ثم يأتي الكاتب بمجسم المكان في الرواية، ليضعه في منتصف الأفكار، ويضيء عليه، فتكون الخسارة تعويضا لمكان عن مكان سابق، هذه المرة في روسيا بدلا من المغرب، إذ لم يكن الهرب هو الحل من قبل شاب مغربي يلعب الشطرنج بشكل جيد، بعد أن تورط في اغتصاب الخادمة، ولم تكن مساعدة والده له، لتمنع عنه تهمة التورط في عمل إرهابي تفجيري في موسكو، أودعه في السجن لمدة 15 عاما.

كما تمكن عبد المجيد سباطة، من عرض قصة الآلاف من المغاربة الذين قضوا في حادثة الزيت المسمم، عام 1959، والتي تم طوي ملفها دون محاسبة المتورطين من التجار الجشعين.

إنها تفاصيل متعددة تمشي بحركة بطيئة، وفقا لمجريات الصراع، وممتدة عبر 424 صفحة من القطع المتوسط، ومقواة بالمفاجآت وتراكيب معمارية سردية محسوبة عند الكاتب، زادت من تماسك العمل.

الذات داخل المختبر

يتضح من طريقة صياغة الكاتب لروايته، امتلاكه لخبرات فنية هامة في تفكيك أجزاء الرواية، ومن ثم جمع الفتات كله عبر سياق واحد.

 

ويصوغ الكاتب ذلك بلغة سردية متوازنة، عمل من خلالها على صنع منابر للشخصيات، بما أعطاه لهم من صيغة ضمير المتكلم أثناء السرد، وفي هذا تشريح للذات التي اهتم بها جدا في عمله هذا، على نهج مغاير لما كان في عمليه السابقين ”خلف جدار العشق“ و“ساعة الصفر“، فلم تكن الذات هي محور سرده، بل الحرب وأمور أخرى.

هذا الطرح الذاتي للتحاور هنا يفتح الطريق أمام مشاعر الكبت لدى الشباب المغربي، والصراع، والتقلب ما بين الماضي والحداثة، للتجريب والنقاش والتعديل، كما ويؤسس لحقبة جديدة من الحريات والحقوق. إن هذا كله صنعه حوار ثقافي يتحقق بشكل يومي عبر مواقع التواصل، وحّدت عاطفة الإنسان تجاه القضايا والحوادث، وباتت تصنع حشدا للذات للتعبير عن هويتها.

سؤال الكرامة

ومن خلال شخصيتي رشيد وزهير، وصراعهما الاجتماعي المستمر، مع أزمات المجتمع المغربي والصورة الباهتة للشباب عن الحياة، تبرز إشكالية الكرامة، قضية الإنسان الأهم بعد التحرر من المحتل، ويعيد سباطة طرحها هنا، حيث يكتب: ”هل تجاوز المغاربة سؤال الكرامة كأحد أبسط حقوقهم الإنسانية بعد الاستقلال؟“.

قصاصات ورسائل

يمتلك العمل عدة تكنيكات سردية خلال الفترة الاستعراضية، إذ يستخدم الكاتب رسائل نصية مكتوبة بخطوط مختلفة، وكذلك يستعين بقصصات مجتزأة من الصحف اليومية، تخص أخبارا معينة أرادها الكاتب لخدمته في السياق السردي.

كما يذهب سباطة إلى وضع عناوين للفصول، تمثل عناوين روايات داخل العمل، فيما ومن خلال هذا كله، يملأ الفراغات بين الفقرات دوما، بصراع فكري جاد، يفتح على الإشكاليات الاجتماعية والسياسية وصراع الهوية، لدى المجتمع المغربي، عبر قصص مبعثرة، مترامية الزمن، انطلقت من خمسينات القرن الماضي، وتصب في وعاء ما بعد الحداثة، عصر التكنولوجيا، وعالم الغرفة الواحدة.

تجريب

يمكن القول، إن هذه الرواية تتخطى قيود صناعة الرواية المعتادة في الإطار الكلاسيكي، فيخرج الكاتب عن الثيمات المعهودة، ليقدم لعبة مراوغة مع القارئ، بحيث يشعر المتلقي بأنه لو زاد في ردة فعله لحظة ما، أمام الأحداث المتوترة، سيخسر الرهان، أمام صدف كثيرة وضعها الكاتب كـ ”مطبّات“ في طريق الأحداث.

فالكاتب كان كما يبدو على رهان مع ذاته، بأن يبعثر قصصا مختلفة، ويجمعها أخيرا، وعلى الرغم من المبالغة في ذلك، لكنه كان يمسك بخيط هو الأهم، هو دليله للإكمال، وكذلك لتعليق تفاصيل الصراع كافة عليه، هذا ما حقق على الطوال في سرده تواجدا لصوت غامض، وأدوات أخرى، تزيد من مشاركة القارئ في سياق العمل.