لماذا العباسية؟!
حسن عصفور
لماذا العباسية؟!
في تجاهل لكل النداءات الوطنية بأن يتصرف كرئيس للشعب الفلسطيني، أصر محمود عباس على المضي وبخطوات متسارعة لتدمير المؤسسة الوطنية الشرعية، والذهاب بعيدا ليس في خطفها فحسب، بل لوضع نهاية لمسارها الكفاحي الطويل ممثلا شرعيا وحيدا، وعقد مجلسا لا يملك من صفات المؤسسة سوى مسماه.
كان يمكن، وهو تعبير بلا قيمة، لأن الحدث قد حدث، أن يخرج عباس شاهرا سيفه السياسي لو تصرف كوطني فلسطيني بعيدا عن "غرور" فارغ مستندا لقوة الاحتلال أمنا وجيشا، باعتراف صوتا وصورة لرأس الطغمة في تل أبيب نتنياهو، لم يجرؤ لا عباس ولا حواريه ان يتحدثوا بكلمة واحدة تكذيبا، وذهب الى اكمال مخطط تدمير منظمة التحرير بدلا من حمايتها.
ولسنا بحاجة لكشف "عمق" أزمة عباس الشخصية والوطنية وهو يلقي خطابه "النحوي" جدا، يوم 28 أكتوبر 2018 أمام "مجلسه الخاص"، خطاب أظهر أن عزلته أخذت تنال كثيرا منه، ولم يعد التظاهر بالخداع كما اعتاد، فهو يعلم يقينا ان الغالبية الشعبية والوطنية باتت في مكان غير الذي يتحدث عنه.
خطاب عباس أمام المجلس الخاص لـ"زوار المقاطعة" خرج عن مألوفة، بأن بدأ بالهجوم الفوري سريع الكلمات ضد من رفض الذهاب الى مقر التنسيق الأمني، حاول جاهدا أن يستخدم الرقم العددي لرافضي حضور مجلسه للتخفيف من أثر الحقيقة السياسية، انه اصبح أقلية متسلطة لا حاكمة، وأنه فقد أسس الشرعية عبر هذا المجلس، ومن هول الصدمة تحدث عدة دقائق خارج النص المكتوب، وتناسى "توصية" الهباش أن يبدأ بـ"البسلمة".
وبعيدا عن الشكل والمظهر، حاول عباس بشكل غير سوي أن يقارن ظرف عقد المجلس الوطني في الأردن، بعقد مجلسه المركزي الخاص، وهي بذاتها أهم طرفة سياسية تشير الى انه فقد تركيزه حول تناوله المحطات الأساسية، فلا المركزي هو وطني ولا ظرف الانعقاد متصل بظرفه الراهن.
عقد المجلس الوطني في الأردن، حدث بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان ومؤامرة الانشقاق الكبرى التي تعرضت لها فتح بدعم النظام السوري، ونتيجة سوء تقدير لزيارة القاهرة وأحداث طرابلس، وجاء عقد المجلس الوطني في عمان لإنقاذ الشرعية وليس لتدميرها، فيما أنت وفرقتك أغلقتم كل الطرق لعقد مجلس وطني توحيدي، تشارك به للمرة الأولى حركتي حماس والجهاد، واخترت الانفصال لعقد مجلس "وطني" في المقاطعة بتوافق كلي مع الشاباك الإسرائيلي.
عباس من رفض نتائج اللجنة التحضيرية في بيروت يناير 2017، كيف له أن يقارن فضيحة مجلس المقاطعة تحت حماية المحتل وتنسيقه، وكل الطرق والأمكنة كانت جاهزة لعقد مجلس وطني تاريخي يمنح منظمة التحرير الفلسطينية حضورا يعيد لها بريقها السياسي الذي فقد كثيرا منه، بل باتت شبحا بلا تأثير عملي، بمجلس لـ"إنقاذ الشرعية".
لماذا غابوا، والسؤال الأصوب، لماذا إصرارك على "الانشقاق" في مرحلة هي الأخطر فعليا على الشعب الفلسطيني منذ النكبة الكبرى، وكان بالإمكان تحقيق المعجزة التي طال انتظارها، وعمل لها الخالد ياسر عرفات كثيرا، وحماس رفضت كل العروض في حينه، كانت كل الفرص قائمة بعد تحضيرية بيروت لإنجاز تلك "المعجزة السياسية"، لكنك وحدك، من رفض، حتى فصيلك فتح ورئيس المجلس الوطني أبو الأديب وافقوا على نتائج ذلك الاجتماع إدراكا بمسؤولية عالية لما ينتظر الشعب الفلسطيني.
رفضك كان ضمن التنسيق المستمر مع الشاباك، وتمهدا عمليا لتنفيذ صفقة ترامب، التي تدعي أنك أسقطتها، "بطولة عصر زائفة"، فمن رفض تحضيرية بيروت لا يحق له التباكي على الشرعية الفلسطينية لأنه من حمل معول هدمها، فلا أهمية بعد ذلك لهذه الحركة غير المحترفة في التباكي على "الشرعية"، ولا تقارن ذاتك بما كان أبدا.
دون انتظار ما سيكون من "تكليفات" للجلسة الراهنة لمجلسك الخاص، الطريق لا زال مفتوحا لـ"التوبة السياسية"، بأن تتوقف كليا عما ذهبت اليه، وتعلن موافقتك المبدئية على "نداء الاستغاثة السياسي" الذي أطلقته القوى السبعة، ليكون مفتاحا للعمل الوطني المشترك، ومن هناك تبدأ رحلة رسم طريق المواجهة الوطنية الشاملة، دون ذلك كل ما تنطق به أو ستنطق به كلاما لتسريع وتيرة تدمير المنجز التاريخي للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير وتحقق حلم أعداء الشعب، وكذا فصائل خلقت لهذه المهمة..
قبل نهاية ظلامية إنقذ ما يمكنك إنقاذه وكي لا يكتب التاريخ كلاما لن يزول أبدا بسواده السياسي!
ملاحظة: جريمة اغتيال الأطفال الثلاثة وسط قطاع غزة بيد المحتلين تفتح بابا لمعرفة الحقيقة دون أن يلغي ذلك ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، التحقيق واجب سياسي ووطني!
تنويه خاص: عقد لقاء في رام الله بالتوازي مع غزة رفضا لهزلية مجلس مركزي المقاطعة بداية سياسية جديدة، لكن الأهم ما سيكون من رؤية شاملة واضحة لما سيكون!