نشر بتاريخ: 2021/03/23 ( آخر تحديث: 2021/03/23 الساعة: 05:54 )
عبير بشير

سعد الحريري: إلى المواجهة دُر

نشر بتاريخ: 2021/03/23 (آخر تحديث: 2021/03/23 الساعة: 05:54)

إذا قرر الرئيس المكلف سعد الحريري المواجهة، ومن قصر بعبدا أعلن أمام الكاميرات عن أسماء تشكيلته الحكومية المتكاملة، التي قدمها للرئيس ميشيل عون منذ مئة يوم، وصرح بأنه خلال لقائه رئيس الجمهورية، أبلغه ـبأن الرئيس المكلف هو من يشكل الحكومة، وليست وظيفته تعبئة الطلبات، وذلك رداً على رسالة وصلته يوم أمس من عون، تتضمن أسماء تشكيلة حكومية فيها ثلث معطل للرئيس ولفريقه، وطلب منه أن يكملها بوضع الحقائب بجانب الأسماء.
والحكاية لم تبدأ هنا، بل بدأت في الأسبوع الماضي عندما وجه عون رسالة متلفزة للحريري، يخيره بها بين تشكيل حكومته الآن، أو في حال عجزه عن القيام بذلك، فلينسحب، ليقوم شخص آخر بتلك المهمة، وليرد عليه الحريري بعد دقائق ببيان ناري، ويخيّره، إما أن يوقع على التشكيلة الحكومية كما قدمها له بعد التشاور معه، أو في حال عجزه عن توقيع مراسيم تلك التشكيلة، «فلنذهب الى انتخابات رئاسية مبكرة، تستطيع إنجاز هذا الأمر».
لقد اختار الحريري المواجهة، والمواجهة هنا ليست مع رئيس الجمهورية فقط، بل أيضاً مع حزب الله وحسن نصر الله، والذي يمكن اعتبار خطابه الأخير تحولاً جذرياً في التعاطي مع الملفّ الحكوميّ، واصطفافاً الى جانب عون وصهره جبران ياسيل، من أجل التمسك بكل المواقف إزاء الصيغة الحكوميّة.
وجاءت «استدارة» وليد جنبلاط من القصر الجمهوريّ، في زيارة بدت «مفاجئة» في الشكل والمضمون، وكأنها تهدف لإعادة تموضعه السياسي، وأكد أنه مع التسوية بغض النظر عن شكلها وما اذا كانت في حكومة من ١٨ وزيراً أم من ٢٠ وزيراً.
ولكن هناك من يرى أن جنبلاط ربما وجد ان التطورات الاقليمية تشهد تحولات ليست في صالحه، خصوصاً في التقارب الحاصل بين الخليج وسورية، وكذلك التسوية المرتقبة بين ايران والولايات المتحدة.
أو ان جنبلاط الذي يقرأ التحولات مبكراً قد يكون وازن بين كل ما يحصل في المنطقة والذي سيكتمل في مهلة متوسطة المدى، وبين عدم قدرته وحزبه على سد الفراغ الناشئ عن الانهيار المالي والاقتصادي، وبالتالي فإن حاجة جمهوره ستتسع بسرعة وقد تخرج الامور عن السيطرة.
ويجزم العالمون ببواطن الأمور، بأن الخيارات أمام الرئيس المكلّف كانت ضيّقة، وتكاد تنحصر بواحد فقط، حيث لا إمكانية أمامه للتراجع وهي المواجهة، خصوصاً بعد كلام نصر الله الذي حشره بين خيار حكومة وفقاً لشروط بعبدا، أو حكومة تكنوسياسية «وفقاً لرؤية وحسابات محور المقاومة والممانعة»، وإمّا تفعيل دور حكومة الرئيس المُستقيل حسّان دياب، ما يعني نزع ورقة التأليف من الحريري بطريقة ما.
كما أوحى نصر الله للحريري أنه إذا أصر على حكومة وفق المبادرة الفرنسية فليشكلها لكنها ستفشل، وهذا يعني ان الحريري بات أمام خيارين، إما التنازل عن حكومة اختصاصيين، ما يعني عودة التوازنات السياسية الى ما قبل تحركات تشرين، وإما الإصرار على تشكيل حكومة ستفشلها القوى السياسية.
وللمرة الأولى منذ انتفاضة تشرين، يُخصّص فيها نصرالله إطلالته حصراً للتحدث في الشأن الداخلي وحملت رسائل سياسية لامست الخطوط الحمراء السياسية، بعد ان رفع سقف خطابه في وجه الجميع وصلت الى حليفه نبيه بري، محمّلاً إياه مسؤولية بقاء حاكم مصرف في موقعه الحالي، وطالت قائد الجيش، وهو له صلة أيضاً بعدم رضا الحزب عن المساعدات الأميركية وامتعاض فريق الممانعة من زيارة قائد المنطقة الوسطى الأميركية الأخيرة الى بيروت، وبلغ ذروته مهدداً بقوله: «وصلت معي لهون». العبارة التي استوقفت كثيرين حول ما يمكن ان يفعله، والمغزى من العبارة وعن سرّ فائض القوة الذي ظهر بعد عودة وفد الحزب من روسيا.
خطاب نصرالله الأخير لاقى ردود فعل منتقدة كثيرة، فرأى فيه كثيرون استعراض قوة في غير مكانه وزمانه في ظل الانهيار الحاصل. فهو لوّح بخيار تفعيل حكومة تصريف الأعمال، الأمر الذي يُفَسّر إعلان مواجهة مع المجتمع الدولي ويطيح بمبادرة موسكو. والسؤال: كيف يمكن لحكومة منتهية الصلاحية ولفظت أنفاسها الأخيرة ان تعود الى الحياة، إلّا اذا كان ذلك نكاية بالرئيس المكلف سعد الحريري، وهنا بيت القصيد.
وقيل الكثير عن زيارة وفد «حزب الله» الى موسكو وتحديداً لناحية تركُّز النقاش حول الملف السوري الذي يشكل مساحة اهتمام مشتركة بين الروس والإيرانيين، وأنّ موسكو تعمل على إنضاج تسوية تلي الانتخابات السورية، وأنّ أحد بنودها خروج الحزب من سورية، لا سيما ان وظيفته العسكرية انتهت.
وبمعزل عن صحة هذا الكلام أو عدمه، الا ان هناك من ربط بين توقيت إطلالة نصرالله التصعيدية، وبين زيارة وفد حزبه الى موسكو، وان رسائله، باللجوء الى خطوات ذاتية وعدم تخلّيه عن مسؤولياته في حال عجزت الدولة عن معالجة الأمور، موجهة الى الروس، وفحواها ان خروجه من سورية يعني سقوط الاستقرار الأمني في لبنان مع ارتداداته على الساحة السورية، بمعنى أنّ انسحابه غير وارد، وفي حال أصرّت موسكو على هذه الخطوة عليها أن تتحمّل تبعات انفلات الوضع في لبنان وعودة التعبئة السنية وتأثيرها على الداخل السوري.
وقد فتح نصر الله في خطابه الباب أمام عدة سيناريوهات مُحتملة، أخطرها موضوع الشارع وعمليات التسلّح التي تحدّث عنها، ويرى مصدر بارز في «تيّار المستقبل»، أن «كلام نصرالله وصل الى درجة غير مسبوقة من الخطورة سواء في الأمن أو في السياسة».

 الأيام