وكالات: يتخذ الكاتب العراقي خالد الشمري من الرمزية قناعا يواري فيه قصص مجموعته ”غبار الأرواح“ الصادرة حديثا، ليجسد هموم الواقع في إطار مفعم بالخيال.
في 46 قصة قصيرة وقصيرة جدا، يتطرق الشمري لقضايا ماثلة بوضوح في مجتمعاتنا العربية، ليتداخل فيها الهم الإنساني مع الوطني وصولا إلى الهم المعيشي.
وفي قصة ”المطار“ يبرز الهاجس الأمني للمواطن العربي، وانتهاك روحه نتيجة عقود من الخوف من سلطات كان من المفترض أن تحميه وتوفر له الحياة الكريمة.
يقول الكاتب على لسان بطل القصة: ”وأنا في قاعة المغادرة في المطار، انتظر موعد إقلاع الطائرة، ربتت يد على كتفي، التفت وإذا بشاب يرتدي زيا رسميا يخبرني أن أذهب معه بهدوء، كان وجهه عبوسا يبعث الرعب؛ ارتعدت أطرافي وغدت الأفكار تتصارع في مخيلتي، أنظر لحقيبتي وللرجل، سألته عن السبب لكنه لم يجب بشيء، ظل يردد تفضل معي رجاء، مما زاد من خوفي، فصرت أفتش في جواز سفري لعلني أجد شيئا ما، أعود وأخبر نفسي بأنني على ما يرام، على الرغم من المسافة القريبة، إلا أنها كانت بعيدة جدا عندي وكادت قدماي أن تتثاقل وصرت أتمايل وأشعر بثقل جسدي“.
في قصص الشمري يعيش العربي في قوقعة داخل قوقعته لتعزز زنزانة النفس أسوار سجن أكبر؛ اسمه الوطن، ولتتضاءل الخيارات وتنكمش، ويعالج أبطال القصص أخطاءهم بخطايا أفدح وأشد وطأة، في اغتراب يحيل الأرواح إلى غبار ثقيل.
ويقول الكاتب في قصة ”الزوجة الثانية“: ”بين العصبية التي تلازمني والكآبة المزمنة، أنهي يومي الممل بين الصفحات الأدبية على موقع التواصل الاجتماعي، الذي جعلني أحتضن حاسوبي اليوم بأكمله، وما زاد كدري عراكي المستمر مع زوجتي التي لم تفهم أبدا ما يجري وتريد الأمور أن تسير بما تشتهي وتفكر، قاطعت كل شيء حتى لم يعد لدي أصدقاء ولم أعد أزور أقاربي، فأنا أعيش في صومعتي الخاصة، بين هاتفي وحاسوبي وكتاباتي أصنع عالمي الخاص“.
في عالم الشمري القصصي تتضاءل الأحلام وتنحصر التطلعات إلى تحقيق ما هو أدنى مقومات الحياة الكريمة؛ يقول في القصة ذاتها: ”فتحت حاسوبي وإذا به معطل هو الآخر، شبكت أصابعي فوق رأسي وجلست وأمامي الحاسوب المعطل، رفعت رأسي على صوت زوجتي وهي تقول: ما بال ضرتي اليوم؟ لم أستطع الرد. لكني أخذت نفسا عميقا ثم دفعته إلى الخارج بقوة فتذكرت كلامها مع أخي حينما سألها عني؛ فردت بحرقة: إنه مع زوجته الثانية!“.
وهكذا يتوالى عرض الشمري لهموم المجتمع بأسلوب رمزي وقصص رشيقة تلامس الواقع وتجعل من العسير التنبؤ بالخواتيم، مستعينا بعنصر الدهشة.
ويسرد الكاتب في قصة ”سحابة حب“ مسيرة حياة كاتب طموح ينتهكه العوز، ولكنه لا يمنعه من نبش تربة المعاناة والألم، ليستخرج منها لقًى تنبض بالحياة والجمال والسمو.
ولا يغفل الكاتب الهم الأممي في ظل الهجمة الشرسة وما حل بالبشرية من اضطراب سببته جائحة كوفيد-19، خلال العام 2020، محللا في قصة ”زمن الوباء“ التغيرات الطارئة على سلوك البشر، وما نجم عن الأزمة من تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة.
وتتطرق قصص المجموعة أيضا إلى الأمراض الاجتماعية الناجمة عن استلاب الإرادة وقيود الأعراف، فاردا مساحة للعقد النفسية وتخبط النفس البشرية بين منظومة قيم شديدة البأس وبين طموحات ورغبات وهواجس أفراد باحثين عن المعنى، على غرار ما جاء في قصة ”الضياع“ وقصة ”رغبة“.
وعن المنهج الذي اتبعه في تأليف قصص المجموعة؛ أوضح الشمري: ”حاولت إيصال رسالتي برمزية ظاهرة وأخرى مخفية، معتمدا على النهايات الصادمة، التي تتبنى في معظمها تحويل الحزن والألم إلى أمل وفرح وسعادة، كما في قصة (المطار)".
مجموعة ”غبار الأرواح“ من إصدارات دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع، مصر، 2020، وتقع في 93 صفحة من القطع المتوسط.
"إرم"