ي خضم الأزمة الناشبة بين إيران والولايات المتحدة؛ عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، ظهر الموقف «الإسرائيلي» مرتبكاً بين محاولة النأي بالنفس عن عملية الاغتيال، والترحيب بحذر ثم التهديد بتوجيه ضربة غير مسبوقة لإيران في حال تعرض «إسرائيل» لهجوم.
هذا الارتباك ناجم أساساً من مخاوفها من أن تكون جزءاً من الرد الإيراني أو من حلفاء إيران في المنطقة؛ ولذلك سارعت منذ اللحظات الأولى إلى وضع قواتها في حالة التأهب القصوى، وسيّرت دوريات جوية في الشمال، وأطلقت قنابل مضيئة فوق هضبة الجولان المحتلة، وأغلقت منتجعات سياحية في تلك المنطقة؛ تحسباً لقصف صاروخي محتمل.
ومع انحسار الرد الإيراني بقصف قاعدتين أمريكيتين في العراق، وإعلان طهران عن انتهاء عملية انتقامها لمقتل سليماني، ومقابلة هذا الرد المدروس بنبرة أمريكية تجنح إلى التهدئة، وعدم التصعيد، تنفست «إسرائيل» الصعداء، من دون أن تتخلى عن حالة التأهب أو حتى تكرار تهديداتها، بتوجيه ضربات قاسية لكل من يحاول مهاجمتها؛ لكن كل هذه التطورات لم تنه المخاوف «الإسرائيلية»؛ بل دفعت إلى الواجهة أسئلة كثيرة حول مستقبل وحرية تحركاتها في سوريا والعراق؛ لضرب تموضعات إيران إلى جانب حلفائها على غرار ما كانت تفعل قبل اغتيال سليماني، الذي تتهمه «إسرائيل» بأنه كان يقف وراء التمدد الإيراني في المنطقة برمتها.
ثمة تحليلات «إسرائيلية» تشير إلى أن استئناف ضرب التموضعات الإيرانية في هذين البلدين أصبح أكثر خطورة، خصوصاً بعد القصف الباليستي الإيراني لقاعدتي «عين الأسد» و«حرير» في العراق؛ إذ صحيح أنه لم يؤد إلى خسائر بشرية؛ لكن ذلك قد يكون مقصوداً لجهة عدم استدراج رد أمريكي عنيف أو إشعال حرب جديدة في المنطقة لا ترغب بها طهران ولا واشنطن ولا أحد في المنطقة والعالم، وبالتالي فإن الرد الإيراني حمل في مضمونه رسالة مباشرة إلى «إسرائيل»؛ فحواها أن هذه الصواريخ يمكن أن تصل إليها في وقت ما، ما يعني أنه بات على «إسرائيل» توخي المزيد من الحذر، وإعادة حساباتها عند التفكير في العودة لضرب التموضعات الإيرانية في سوريا والعراق. وقد يصبح المشهد أكثر تعقيداً إذا ما أسفرت الأزمة الإيرانية الأمريكية الراهنة عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق؛ ذلك أن الالتزام الأمريكي بحماية «إسرائيل» وأمنها سيضعف كثيراً مع غياب الجنود الأمريكيين على الأرض في المنطقة، وهو ما يتطلب إعادة حسابات حرية الحركة «الإسرائيلية» وفق المحللين الإسرائيليين».
وبالمحصلة، فقد فرض اغتيال سليماني على «إسرائيل» معادلة حذرة وخطرة، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، التي تؤشر إلى أن إيران وحلفاءها على استعداد للرد حتى على أي محاولة لجس النبض، سواء كانت عبر طائرات حربية مقاتلة أو طائرات مُسيّرة أو من خلال قصف صاروخي وما شابه؛ حيث الدوافع والمحفزات موجودة في كل الحالات، ما يعني أن «إسرائيل» ستبقي على جاهزية قواتها، خصوصاً في الشمال، ربما لفترة طويلة، وعندها قد تكون «إسرائيل» أمام خيارين: إما التخلي عن استراتيجيتها السابقة في ضرب التموضعات الإيرانية، وهو ما سيعد فشلاً ذريعاً لها، أو المغامرة بإشعال حرب جديدة في المنطقة يصعب التكهن بنتائجها، وهما أمران أحلاهما مر.