غزة_ محمد عابد: يجلس عبد الله القطاطي ابن الـ16 عاماً، في غرفته الصغيرة، بين كومة من المسامير والخيوط، وأدوات أخرى تكتظ بها تلك الغرفة، مدقق برأسه في، محملق بعينيه في ذلك اللوح الخشبي الممتلئ على آخره بمسامير مصطفة، وممسك بمطرقة في يده، المشهد قد يبدو للوهلة الأولى لمهنة غليظة صعبة وشاقة، لكن الأمر مختلف تماما، فمن المسامير الصلبة والخيوط الملونة ينسج ذلك الشاب، لوحات فنية فريدة ومتناسقة الألوان، ليقوم كل يوم بعد صلاة العصر بحمل لوحاته بين يديه، ويسير باتجاه شارع الرمال أشهر شوارع مدينة غزة، ليقوم هناك بتسويق تلك الأعمال والرسومات علي المارة في الشوارع ليتسن له تسديد رسوم الدروس الخصوصية ومصاريف مدرسته ليتمكن من اجتياز الثانوية العامة بنجاح.
منظرًا طبيعيًا أو وجهًا بشريًا
هذا النوع من الفنون يعتبر نوع جديد، يشتهر به الأتراك بشكل كبير جدا، هو رسم عن طريق مسامير صلبة وخيوط على لوح خشبي بشكل فني، تقوم فيه الخيوط الملونة بملئ الفراغات وفق رؤية الفنان الصغير، بما ينتج في النهاية لوحة فنية تصور منظرًا طبيعيًا أو وجهًا بشريًا أو اسما أو إي شيء يخطر ببالك".
عبد الله القطاطي، علم فن الرسم بالخيوط والمسامير من خلال الدراسة، أحب هذا الفن وبدأ بالبحث عنه علي صفحات الانترنت، واكتشف أنه من أنواع الفنون التركية، وبدأ عبد الله بعمل أول لوحة حملت اسم مُدرسه، اللوحة الثانية التي أعدها عبد الله أهداها لزميله في المدرسة بمناسبة عيد ميلاده، تلك اللوحة التي أحدثت نقطة تحول في حياة عبد الله، حين بدأ أقارب زميله بالسؤال عن الشخص الذي قام بإعداد تلك اللوحة، وبدأ الجميع يتواصل مع عبد الله ويطلب منه عمل لوحات خاصة به، مقابل ثمن مالي لكل لوحة، وبالفعل بدأ عبد الله بممارسة تلك الهواية التي أصبحت فيما بعد باب رزق لعبد الله، وفي بعض الأحيان لعبد الله وأسرته .
حاولت تسويق أعمالي عبر الانترنت
يتحدث عبدالله لــ"الكوفية"، عن خطوات عمل اللوحة قائلا: "الخطوة الأولي هي إحضار الخشب من المنجرة، ومن ثم أقوم بتنظيف الخشب، ومن ثم عملية الطلاء حسب اللون المناسب للوحة، ومن ثم أقوم برسم اللوحة علي ورق، وأقوم بوضع الورقة علي اللوح الخشبي، ومن ثم أقوم بدق المسامير علي اللوح، ومن ثم أقوم بتوصيل الخيوط بين تلك المسامير، وفيما بعد أقوم بحرق الخيوط الزائدة، واضع التفاصيل الأخيرة".
ويتابع عبدالله، "حاولت تسويق أعمالي عبر الانترنت ولكني لم أتمكن من ذلك بسبب عدم امتلاكي الخبرة في هذا المجال، وكل زبائني هم أناس شاهدوا اللوحات هنا وهناك، وأنا أقوم يوميا بمحاولة بيع لوحاتي هنا وهناك، حيث أتجه بشكل شبه يومي إلي شارع الرمال وسط مدينة غزة وهو أكثر الشوارع اكتظاظ بالناس وأقوم بعرض لوحاتي علي المارة في الشارع، هناك من تعجبه فكرة اللوحات ومهتم في الفن، وهذا النوع من الناس يقوم بشراء اللوحات دون تردد، ولكن هناك أُناس لا يهتمون بمثل هذه الأعمال ولذلك لا يكلفوا أنفسهم حتى بالنظر إليها، ولكن هذا لا يزيدني إلا قوة وإصرار علي النجاح".
عائلتي تعيش ظروف صعبة وأحاول توفير مستلزمات الدراسة
وعن دراسته يقول عبد الله، "أنا طالب في الثانوية العامة، أحاول دائما تنسيق الوقت بين الدراسة والعمل، فانا يوميا أقوم بالدراسة قرابة ساعتين ومن ثم أقوم بالتوجه لغرفة العمل، ومن ثم أقوم بالعودة للدراسة، وبعد العصر أقوم بالتوجه إلي السوق في شارع الرمال لتسويق لوحاتي".
وأضاف عبد الله، أن "الثانوية العامة في قطاع غزة بحاجة إلي مصاريف كثيرة ما بين الدروس الخصوصية والقرطاسية والرسوم واللبس، ومن هنا جاءت فكرة بيع اللوحات خصوصا وأن عائلتنا تعيش ظروف اقتصادية صعبة، ووالدي لا يعمل، فقررت مساعدة نفسي ووالدي علي ظروف هذه الحياة الصعبة".
وعن الداعم المعنوي الأساسي له قال: "لولا تشجيع عائلتي وأساتذتي في المدرسة لما وصلت لهذه المرحلة من النجاح، وأنه لن يترك هذه المهنة حتى لو انهي دراسته وتخرج من الجامعة".
وتمني عبد الله أن يري لوحاته في أكبر المعارض الفنية، وأن ينهي دراسته الثانوية والجامعية كذلك ويلتقي بأحد المسئولين الذين يساعدوه في نشر لوحاته وأعماله.