عندما تفقد "القيادة"، أي قيادة بالمعني العام مصداقيتها مع شعبها، وتدرك جيدا انها باتت عارية تماما، امامه، سواء قام بالتعبير المباشر من خلال "حركة الأقدام"، ومن خلال "حركة اللسان والأصابع"، تذهب الى كل سبل متاحة لها لتغطية عورتها، بالقمع غالبا، والقمع له اشكال متنوعة البوليسية – الأمنية، او المستحدث منها، في سلطة رام الله بقطع الراتب حيث المصدر الوحيد لعشرات آلاف الأسر، أو عبر حملات "تخوين" و"تكفير" في سلطة غزة، عبر المساس بما يسمى "المقاومة"، التي فقدت كثيرا من هيبتها وحضورها.
ومؤخرا، لجأت "تلك القيادة" في جناحي "بقايا الوطن" الى مظهر استجدائي أكثر، لمحاولة كسب الأنصار، حيث قامت أجهزة امن كلاهما، بترتيب "زيارات خاصة" علها تتمكن من "حرف بوصلة الغضب المخزون"، ففي رام الله، خرج رئيس سلطة الحكم المحدود (لم يعد ذاتي)، لزيارة أحد أشهر مقاهي حي الطيرة، حيث الحضور الاجتماعي ممن لا يألون بالا لما يحدث حولهم، وطنيا او كفاحيا، تحولت الى سخرية بأن الزيارة "بيتية".
فيما ذهب للمرة الأولى منذ عام 2005، عندما تولى رئاسة السلطة، بمساعدة صديق، لتطأ أقدامه أرض مخيم قرب مكتبه في رام الله، ولكن بدلا من "الربح" أصحبت الزيارة مجالا للتندر الواسع، حيث كان "الحرس المقاطعي" في استقباله مع عزف النشيد وكأنه في زيارة بلد شقيق.
وفي قطاع غزة، تدرك حماس جيدا، ان مخزون الغضب وصل الى درجة لا يمكنها التنبؤ بما سيكون، ولا كيف سيكون، بعيدا عن مبررات ذلك الغضب الذي أوشك على الانفجار في أي لحظة، ولذا فهي تعاملت مع الواقع بخطين متوازيين، لمواجهته، بالقمع – الإرهاب الأمني، والتوسل الاجتماعي.
فالأمن أصبح أداة تعمل بلا كلل لمطاردة كل من يحاول النيل من سلوكها، سلطتها، ويكشف فشلها، وتستخدمه اعتقالا، استجوابا، تحقيقا مباشرا، او عبر شبكاتها في مواقع التواصل، فكل من يتحدث بنقد أي كان حتى من "تحالفها"، يواجه بمسلسل "التخوين والتكفير" الساقط جدا، ومع ذلك لم يترك اثرا عاما، حتى لو ارهب البعض الى حين.
وبالتوازي، خرجت قيادة حركة حماس بحركة تماثل الحركة العباسية لكسب ود أهل القطاع، عبر ما أسمته زيارات العيد للتواصل الاجتماعي، وجعلت من قائدها الأكثر قبولا وطنيا يحيى السنوار، العنوان لها، علها تتمكن من حصار الغليان المتنامي، حتى داخل أوساط الحركة، بعد فضائح فساد وتشويه للمشهد الوطني، وعملت على تصديرها وكأنها "اختراع" مجتمعي جديد، وجاهدت لتسويقها قدر المستطاع، ولكن حدث ما ليس في الحساب، انها نالت عكسا مما ارادت.
فالتواصل المجتمعي، خاصة في المناسبات الدينية، هو جزء حيوي من تاريخ الفلسطيني، وكانت قيادة الثورة الفلسطينية، والزعيم الخالد الشهيد المؤسس أبو عمار، يبدا يومه بعد صلاة العيد، بزيارات لبيت أطفال الشهداء "الصمود" وعائلاتهم، ولم يتعامل معها كـ "منة سياسية" من فصيل فقد كثيرا من بريقه عبر حكم أمني لا أكثر.
حسنا أن تقوم قيادة حماس بزيارات مجتمعية، لكن ألا تصنع منها "حدثا" لا سابق له، أو تعتبره "هدية العيد" بدلا من تحسين حالهم وكسر فقرهم.
زيارات عباس "المظهرية" لن تمنحه أي ربح مهما حاول جهازه الإعلامي فعل ذلك، بل حدث عكس ما تمنى، خاصة بعد أن فتح حضنه لحفيدة رابين، ولم يستقبل أسر لشهداء أو أسري في مكتبه، وليس في بيته، فكانت المحصلة مصيبة مضافة.
فيما حماس فقدت كثيرا بتلك الحركة، التي كان لها ان تكون فائدة، لو تصرفت بمسؤولية وطنية، والتفتت الى التفكير بحل للكارثة المحيطة بأهل القطاع، بدلا من حربها معهم.
ليس بـ "التسول الاجتماعي تربحون"!
ملاحظة: كم كان عارا تجاهل سلطة الحكم المحدود، رئيسا وأفرادا وإعلاما، جرائم الغزاة ضد أطفال وشباب، صمت يكشف أن "الوطنية" باتت فعل ماض، ويبدو أنها فقدت روحها كليا لهذه المسميات.
تنويه خاص: مسيرة آخر جمعة في قطاع غزة، لحظة منبهة لكي تقف الفصائل وتعلن "مراجعة شاملة" لتلك المسيرات، فالجائعون فقدوا الأمل في شعارها لكسر الحصار، بعد ان لمسوا أنهم باتوا قطارا لربح ليس لهم...لا تخجلوا قبل أن تندموا!