مبدئيًا، لا يمكن تجاهل حجم الاختلاف السياسي الوطني في المشهد الفلسطيني، يصل إلى حد يلامس الافتراق الوطني، وليس فقط الانقسام الوطني، الذي بدأ صناعة إسرائيلية كاملة الأركان، بمساعدة أصدقاء لها وتنفيذ أدوات محلية، بعيدًا عن الغرق الآن في تفاصيل ذلك، وكيف لقوة رفضت مبدأ "شراكة سياسية وطنية"، مع بداية قيام السلطة الفلسطينية بقيادة الخالد المؤسس ياسر عرفات، ثم تقبل أن تكون أداة في تمديد بقايا اتفاق انتهى مفعوله السياسي الزمني مع أول رصاصة انطلقت ضد أهل القدس يوم 28 سبتمبر 2000.
الانقسام، منذ يناير 2006، وتعمق إلى حد الخطورة شبه المطلقة بعد يونيو 2007، ضرورة خالصة للمشروع التهويدي، ليس فقط لأنه أضعف المعركة الوطنية بل تمكن من حرف قاعدتها الفكرية – السياسية، من صراع مع عدو إلى صراع متشابك، يتم الخلط بين أطرافه بين حين وآخر، وفقا لما تتمكن أجهزة دولة العدو القومي من تحريك عناصر ذلك الاستخدام.
لا يمكن مطلقا الادعاء بعدم القدرة الداخلية الفلسطينية على وضع نهاية لذلك الانقسام، لكن الحقيقة أن أصل المنع ليس ذاتي بل فرض من الأطراف التي صنعته، وفرضته، ولا تزال، بكل السبل الممكنة، لأن نهايته تعني إعادة الإشراقة الكفاحية للمشروع الوطني، الذي قاده الخالد المؤسس لترسيخ الكيان الفلسطيني فوق أرض فلسطين، بعدما دمرته دولة الاحتلال بمساعدة "صديق محلي".
ولكون الانقسام بدأ يصاب في الضفة والقدس، بحالة ارتعاش تحت ضربات "صحوة شعبية كفاحية" مواجهة لمشروع العدو القومي، وخاصة مع ارتفاع منسوب جرائم الحرب، اغتيالا وقتلا للإنسان، أو ما يحدث من عمليات تطهير عرقي في القدس وزيادة منسوب البعد الاستيطاني أفقيا وعاموديا في الضفة، وما حدث من "غزوة المسجد الأقصى" أبريل 2022، فبدأت "همهمة شعبية" رافضة، أربكت المخطط المعادي.
ولأن دولة العدو، وأجهزتها الأمنية – الإعلامية، تدرك تماما، ان الإرهاب العسكري لا يمكنه ان يهزم الفلسطيني، وإن حقق بعضا من "مرابح"، لكنه يزيد من فضائح كيانهم أكثر، وكي لا تتسع حركة "الهمهمة الكفاحية الشعبية" وتتسع إلى حركة "انتفاضة شعبية ومسلحة"، كان لا بد من العودة لفتح باب الانقسام وتغذيته بمواد مستحدثة، تحت أشكال مختلفة من المسميات، وليكن بعض ثمنها "خسائر معنوية" لهم و"انتصارات وهمية" لغيرهم، قبل أن تصبح خسائر مادية مباشرة، تعيد ما كان الاعتقاد أنه انتهى، غضب عام كما كان ما قبل 2005.
وسريعًا، وجدت أن المسألة الأنفع والأسرع، إعادة نشر "الفتنة الوطنية" تحت يافطات مختلفة، كونها الأقدر على حرف جوهر النقاش الوطني الفلسطيني، بل والأكثر تأثيرًا وبشكل "فرط صوتي"، لفعل حركة "انحراف المسألة" من تفاعل ونهوض ضد عدو، إلى اختلاط بين مواجهة عدو تصبح خلف المواجهة الذاتية تحت شعارات متعددة.
فجاءت انتخابات مجلس طلبة بيرزيت، لتكون "شرارة الفتنة السياسية" المرجوة، وبلا جهد كبير من أجهزة دولة الكيان، انطلقت لتحرق كثيرا من "قواعد التفاعل الوطني"، وتنجر حركة حماس إلى تلك المناورة – المؤامرة بشكل غريب ومريب، فاستبدلت بشكل يثير أسئلة متعددة، عما حدث خلال أيام، ليصبح عدوها المركزي حركة فتح، والسلطة ورئيسها، وتلك مسألة لا تحتاج لنفي أو إثبات، فكل أهل فلسطين والعدو يعلمونها بكل تفاصيلها، بل وصل الأمر ببعض وسائلها الإعلامية أن تصنع منها "باب التحرير الوطني"، وتفرضها الموضوع الرئيسي للنقاش.
وثانية، وكي لا يصبح الأمر عرضة للشبهة الوطنية، والانزلاق في دخول ممر بدأ صناعته لتدمير كل ما يمكن تدميره وطنيا، وجب على قيادة حماس أن تتوقف كليا عن الانزلاق في خندق "الفتنة والشرك الوطني"، وتضع حدا للتعبئة التي لا صلة لها بروح فلسطين، ولا بروح أهلها، والاعتقاد أن الزمن بات قريبا لتحقيق حلم "الاستبدال" فذلك ليس سوى وهم كبير، وسيكون محصلته صفر كبير، ويصبح الأمر ليس أكثر من مجرد استخدام مؤقت ينتهي بكنسهم، والعودة إلى "بديلهم الحقيقي وليس الاستخدامي".
ذلك لا يعفي حركة فتح والسلطة وأجزتها الأمنية من مسؤولية الانزلاق لذات المربع بطرق أخرى، بسلوكها وممارستها القمعية الغبية وعدم قدرتها على "استيعاب" المختلفين معها من فصيلها وقوى منظمة التحرير، تقدم خدمة كبرى لمعسكر الفتنة، ما يفترض الحد من سلوك يستخدمه العدو قاطرة تمرير مخططه المنطلق بأسرع من قدرة تفكير اللا أذكياء.
دون مبررات، الوقت من ذهب فلا تتركوه يصبح "وقت من قشرة الذهب".