الكوفية:استغرق «الربيع العربي» عشر سنوات لأن ينضج وأن يعطي ثمارا ليست فجة.
فالرمزية التاريخية الكبيرة لاتفاق السلام بين السودان وإسرائيل تكمن في الإلغاء العلني لسياسة الرفض العربي للاعتراف بإسرائيل، والتي وجدت تعبيرها في اللاءات الثلاث التي تبناها مؤتمر الخرطوم قبل 53 سنة، بل وأيضا في سياق الذكرى السنوية العاشرة لـ «الربيع العربي» التي ستأتي بعد شهرين: الثورة الشعبية التي وقعت في حينه أدت إلى انكسار جوفي يواصل هز الأرض من تحت أقدامنا.
فدون الحروب الأهلية الرهيبة في سورية، في اليمن، في ليبيا؛ دون بربرية داعش في سورية وفي العراق؛ دون صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، في تونس وفي المغرب ومحاولاتهم لهز الاستقرار في الشرق الأوسط، بالمساعدة الفاعلة من تركيا وقطر؛ دون خيانة إدارة أوباما لحلفائها التقليديين؛ دون ضبط النفس والمسؤولية التي أبدتها حكومات إسرائيل في فترة مصيرية جدا للمنطقة؛ وفوق كل شيء تحطم فكرة الدعاية الكاذبة، التي تقول إن النزاع العربي مع إسرائيل هو مشكلة المشاكل في الشرق الأوسط وحله فقط، بهذه الطريقة أو تلك سيجلب الخلاص للأمراض الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية لشعوب المنطقة – دون كل هذه، مشكوك جدا إذا كنا سنصل إلى هذه المكانة السياسية المؤثرة لاتفاقات السلام والتطبيع مع ثلاث دول عربية مهمة في غضون نحو الشهرين.
إن معسكر «السلام العابث» بتوابعه في الكنيست، في الحياة العامة وفي الإعلام، يكافح ضد السلام مع اتحاد الإمارات، البحرين والسودان، بآخر وسيلة لديه – الخطاب الشعبوي والكاذب. فهم يدعون أن الاتفاقات ليس اتفاقات سلام بل تطبيع فقط، لأنه لم تكن حالة حرب بين إسرائيل وبين هذه الدولة.
في تقاليدهم لإعادة كتابة التاريخ بطريقتهم، نسي أولئك الدعائيون أن اتحاد الإمارات بادر إلى المقاطعة النفطية في السبعينيات في الحرب الاقتصادية ضد إسرائيل وأن السودان كان دولة مواجهة نشطة – منحت ملجأ ورعاية لمنظمات الإرهاب الإسلامية، وسمحت لإيران بأن تنقل في أراضيها وسائل قتالية لحماس لحربها ضد إسرائيل.
كما أن السودان شكل مركز نشاط لحزب الله. ليس عبثا أن نسبت غارات جوية في أراضي السودان لإسرائيل.
إن إخراج السودان الرسمي من دائرة العداء لإسرائيل هو إنجاز استراتيجي يتجاوز المعنى الرمزي كون إسرائيل توقع بمساعدته ليس فقط على اتفاق سلام خامس مع دولة عضو في الجامعة العربية بل وأيضا تعزز بشكل كبير تواجدها في إفريقيا – قارة قريبة ومهمة تجري فيها معركة مزدوجة: الأولى لصد الإسلام المتطرف في شمال إفريقيا وغربها، والثانية لصد حملة الـ بي دي اس التي تقاد ضد إسرائيل من جنوب إفريقيا.
بعد سنوات إهمال طويلة جدا، استأنفت إسرائيل اهتمامها بإفريقيا ووسعت بشكل كبير علاقاتها فيها. فاستئناف العلاقات مع تشاد والآن إقامة العلاقات مع السودان هما مدماكان مهمان للغاية في خلق مكانة جديدة لإسرائيل في إفريقيا، لا تقوم فقط على أساس التحالفات مع الدول ذات الأغلبية المسيحية.
السودان، بالطبع، يختلف جدا عن اتحاد الإمارات. بينما ينطوي الاتفاق مع الإمارات على فرص متساوية للطرفين، فإن للسودان الكثير جدا مما سيكسبه من العلاقات الطيبة مع 'سرائيل.
شطبه من القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب والذي سيسمح الآن بالاستثمارات في اقتصادها المنهار، هو واحد فقط من ثمار السلام المتوقع للسودان، الذي يوجد الآن في مسيرة تحول سياسي.
منذ قيامه شهد السودان فترات من الديمقراطية قصيرة المدى، انقلابات عسكرية، دكتاتوريات وحروبا أهلية وصلت حتى قتل شعب.
إن الوضع المميز للسودان سيوجب من إسرائيل نهجا حذرا جدا في رسم العلاقات مع التنوع الكبير لسكانه المحليين.
كما توجد مسألة المتسللين أيضا. فهل بدأت إسرائيل تعد نفسها بجدية لعصر السلام الجديد؟
هل إسرائيل مستعدة لأن تتصدى للتدفق الجماهيري إليها من مواطني الدول التي توقع معها اليوم على اتفاقات سلام وتطبيع؟
هل توجد قيود واضحة للدخول إلى إسرائيل، للمكوث فيها ولمغادرتها تتيح لأجهزة القانون وإنفاذه في إسرائيل لأن تؤدي مهامها بنجاعة، أم ربما سنرى نشوء مشاكل كهذه توجد لإسرائيل اليوم مع إرتريا.
وماذا عن جمع شمل العائلات، الزواج والتوطن؟ هذه الأمور مرغوب فيه إعطاء الرأي فيها منذ الآن.
عن «إسرائيل اليوم»