لم تفض اجتماعات إسطنبول الى تسريع مصالحة فلسطينية داخلية، ومع التدقيق في المواقف تبين ان الطرفين ينتظران فعلا نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
كلاهما فتح وحماس ينتظران بفارغ الصبر انتصارا لبايدن، على الأقل، سيتمكن أبو مازن من اخذ فرصة للتفكير والمناورة بعد وعد في البرنامج الانتخابي للديمقراطيين، بوقف التصعيد والضم والعودة لطاولة المفاوضات وإعادة المساعدات الامريكية للسلطة الفلسطينية، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، رغم ان الرئيس يعلم يقينا من البرنامج الانتخابي وتصريحات مساعديه، انه لن يتخلى عن قرار إدارة ترامب بنقل السفارة الى القدس "العاصمة الموحدة لإسرائيل" وشطب قضيتي اللاجئين والحدود من أجندة الحلول.
أما حماس فتقيم الصلوات والدعاء ومعها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كي يستجيب الله وينصر بايدن بدعم من الملائكة ، فالديمقراطيون منذ العام ٢٠١٠ تبنوا نتائج اعمال مؤسسة "رند" التابعة للبنتاغون، والتي تقول بتمكين الاخوان المسلمين أو ما سمي "بالإسلام المدني" من السلطة في العالم العربي من أجل مواجهة الخطر الأكبر وهو الإسلام الراديكالي ممثلا بالقاعدة وأخواتها من السلفيات "الجهادية"، فيما تبدل الموقف جذريا في وثيقة ترامب للأمن القومي في ديسمبر ٢٠١٧ ، والتي تضع كل الحركات الإسلامية في سلة واحدة باعتبارها جميعا ودون تمييز خطرا على الحضارة الغربية والولايات المتحدة.
كما أن حماس تدرك تماما ان المشروع الأمريكي براسيه الديمقراطي او الجمهوري سيحرص الى حل للقضية الفلسطينية في غزة وليس الضفة الغربية، بالتالي لحماس مصلحة في تمرير صفقة المصالحة، تشتري بها شرعية إقليمية ودولية مرغوبة إسرائيليا وامريكيا، لإنهاء الكيانية الفلسطينية التي تفتح على دولة مستقلة، ترسخ بذلك إمارتها الإسلامية في غزة، وتفاوض على ما يمكن الحصول عليه من مكاسب في الضفة من تشريع لوجودها التنظيمي والسياسي.
اراهن على براغماتية حماس ، لتدوير الزوايا ، وكله مؤيدا بالنص ، اية او حديث او سيرة الصحابة ، لأنها تدرك جيدا أبعاد الموقفين الإسرائيلي والامريكي بإدارتيه ، من ان اقصى ما يمكن الحصول عليه في ظل المعطيات الراهنة هو حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية ، وان المركز سيكون في غزة، ولهذا ستجد المسوغات التي تبيح المحرم ، وهو عودة السلطة الى طاولة المفاوضات وهم ليسوا في الواجهة حفاظا على الطهارة ، إذ ليس بيد أبو مازن سوى اللجوء الى إدارة للازمة لسنوات، حتى يفرجها الله ، على قول المثل " يا بموت الحمار يا بموت صاحبه " لكنه يكون قد كسب المزيد من الوقت ويريح بهذا الخيار إسرائيل وسكان المنطقة المحتلة اقتصاديا ومعيشيا ، ويأمل استئناف المنح المالية الخارجية، وما دامت العملية السياسية شغالة و"الحسابة بتحسب" فالكل راض.