اليوم الخميس 25 إبريل 2024م
مستوطنون يهاجمون مزارعين جنوب بيت لحمالكوفية «الكوفية» ترصد أوضاع الطواقم الصحفية في ظل استمرار العدوان وارتفاع درجات الحرارةالكوفية تيار الإصلاح يعزز صمود الكفاءات في قطاع غزة في ظل استمرار العدوانالكوفية الخيام وأوضاع النزوح تخنق نازحي غزة بسبب درجات الحرارة المرتفعةالكوفية أزمة المياه تفاقم أوضاع النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة واستمرار العدوان على قطاع غزةالكوفية خبيران أمميان: حجب أموال المقاصة وعزل البنوك الفلسطينية قد يؤدي إلى شل الاقتصاد الفلسطينيالكوفية مراسلنا: 6 شهداء في قصف الاحتلال منزل لعائلة الجمل في رفح جنوب القطاعالكوفية مراسلتنا: قرابة 950 مستوطن اقتحموا الأقصى بحماية مشددة من شرطة الاحتلالالكوفية مراسلتنا: انقطاع الاتصالات والإنترنت عن وسط وجنوب قطاع غزةالكوفية بصل: انتشال أكثر 300 جثة من محيط مجمع ناصر بخان يونس وبعضهم دفنوا أحياءالكوفية مراسلتنا: طائرات الاحتلال تقصف مناطق متفرقة من رفح جنوب القطاعالكوفية مراسلنا: الاحتلال يعتقل 12 مواطنا من مناطق متفرقة من الضفة المحتلةالكوفية مراسلتنا: 1100 مستوطن يقتحمون باحات المسجد الأقصىالكوفية استطلاع: 53% من الأمريكيين عبروا عن عدم ثقتهم في سياسة نتنياهو الخارجيةالكوفية مراسلنا: مدفعية الاحتلال تطلق قنابل ضوئية في سماء حي الشيخ عجلين غربي مدينة غزةالكوفية مراسلنا: الاحتلال يقصف منطقة التعابين في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزةالكوفية الرباط: اختتام أعمال الدورة الرابعة لمحاكاة القمة الإسلامية للطفولة من أجل القدسالكوفية بث مباشر.. تطورات اليوم الـ 202 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية مراسلتنا: الاحتلال يضيق على المصلين ويمنعهم من الصلاة في المسجد الأقصىالكوفية مراسلتنا: أكثر من 700 مستوطن يقتحمون الأقصى ويتجولون في باحاتهالكوفية

عتمة السجون "منارات أدبية"

خاص|| "أدب المعتقلات".. قصص وروايات وأشعار من رحم الوجع

21:21 - 18 أغسطس - 2019
الكوفية:

غزة_ميرفت عبد القادر: من خلف عتمة القضبان والزنازين، وعلى صوت السلاسل، رجال لا يرون الشمس، لكنهم يضاهون نورها وأكثر، يعلنون ثورة القلم، يحولون ألم السجن ووحشية السجان، إلى منارات أدبية، عميقة الفكر والتجربة، يعانقون بصمودهم الجبال، يكتبون الروايات، بلغة الحب والثورة، ومداد تلك النصوص ليس حبرًا ولا رصاصًا، بل بسنين العمر، المدفوعة ثمنًا على مذبح الحرية، يقدمونها قربانًا للأوطان، ينثرون الحرف، لتبقى الرواية حاضرة، تجسد قضية لا تسقط بالتقادم، إنهم الأسرى، يحولون عذاباتهم بين الضلوع إلى أدب خاص، له أبعاد إنسانية وفكرية ونضالية.

أدب المعتقلات، هو طراز أدبي، خاص له صبغة فريدة، سجل لحظات إنسانية، لسجين، خلف البوابات السوداء، يكتب قصته من رحم المعاناة والقهر اليومي، والمعاناة النفسية التي تعرض لها، من قبل السجان، من تعذيب وتنكيل، وعزل انفرادي، بصورة حية وواقعية.

 أدب المعتقلات مشاركة نضالية

قال الباحث المختص في قضايا الأسرى والشأن "الإسرائيلي"، د. رأفت حمدونة لـ "الكوفية"، إن أدب المعتقلات لم يكتب فى الصالونات المكيفة، والبساتين التى تصدح فى سمائها الطيور المغردة، بل كتب فى أجواء من الألم والأمل، وفى ظل المعاناة والصبر والتأمل داخل محرقة العدو بين الجدران، ومن خلف القضبان، فيضئ أدبهم بإشراقات جمالية، تضفي حياة روحية متوقِّدة، حيث أن المعاناة والألم، مصدراً لتتفجر الطاقات الإبداعية من خلال ممارسات القمع اليومية للسجان في أقبية السجون، التي شكلت تربةً خصبة لتفتُّح هذا الإبداع.

وأوضح حمدونة، أن أدب المعتقلات في فلسطين، تشكّل في نهاية العام 1972، والذي مثّل العصر الذهبي للأسرى على الصعيد الثقافي بشكل عام، والطفرة الأدبية الاعتقالية بشكل خاص، ومن ثم تطورت في الثمانينيات، وتلى ذلك اندلاع الانتفاضة، لتبدأ مرحلة جديدة وبتطور نوعي، حيث تحول الأدب من ممارسة هواية وثقافة جمالية، إلى مشاركة نضالية في أحداث الانتفاضة وزخمها  الثوري.

"قبل أن يموت الجلاد"

من فوق سريره، داخل أحد مستشفيات جمهورية مصر العربية، يقول الروائي الفلسطيني محمد أبو شاويش، لـ" الكوفية"، إن  فكرة رواية "قبل أن يموت الجلاد" راودتني واعتبرت نفسي أن عدم كتابتها بحد ذاته "خيانة للفكرة"، تجربة التحقيق صعبة، كان علي أن أظهر للقارئ، كيف عاش ذلك الكاتب، من الولادة في المخيم، وكيف ترعرع شابًأ مع أمٍ أكسبته، قوة وعزيمة الرجال، ومن ثم أمسى أسيرًا، ينتقل بقيوده من معتقل لآخر طيلة 13 عامًا "السبع والمجدل والرملة وغزة ونفحة"، ويسرد تجربته عبر عتمة السجن، والتحقيق، والعزل، وكل ماتعرض له طيلة فترة اعتقاله. 

يتابع أبو شاويش، بصوت مفعم بالحماسة والانفعال، رغم ألمه، "كتبت روايتي وأنا لست محترفًا بالكتابة، والتجربة التي خضتها لم اعتبرها ملكي، بل خطوة أؤرخها وأورثها للأجيال القادمة، وكان لزامًا أن أخطها بقلمي، وأوثق ماحدث معي، ليعرف القارئ، كيف هزم ذلك الأسير نخبة الكيان الصهيوني، من مخابرات ومحققين، بصموده وصبره وإيمانه بقضيته العادلة".

لا يوجد مبدع لم يعش مأساة

ويستطرد أبوشاويش قائلًا، "يخيل للبعض أن الإبداع يأتي بالحياة المرفهة، لا يوجد مبدع لم يعش مأساة، وما يعيشه الأسرى في المعتقلات من هجمة صهيونية، ووحشية، للسجان، تصنع منهم مبدعين"، مشيرًا إلى صبرهم، الذي هو بحد ذاته علم، يعلم أشياء جديدة، وهذه هي مدرسة الصبر، الذي صنعها الأسرى.

وأوضح أبوشاويش، أن الرواية حاولت أن تضع القارئ في صورة يومية لما يعيشه الأسرى، كيف يصوغون قصصهم في المعتقلات، وكيف يصوغون علاقتهم، ويضعون لوائحهم، ويضبطون طبيعة العلاقات بين التنظيمات والرفاق في المعتقل، وكيف يستثمرون أوقاتهم ويقضونها، حيث يضعون برامجهم اليومية، من مذاكرة، وقراءة للكتب، وتعلم فن الكتابة وفن المقال، وكيف يكلفون بعضهم البعض باختيار المواضيع في كل المجالات، تربوية وتعليمية وثقافية ونضالية وسياسية.  

ويثني أبو شاويش، على الحركة الأدبية في المعتقلات، قائلًاً "يضاف للثورة الفلسطينية، خريجو السجون، ويزيدون الثورة زخمًا وعطاءً، كذلك أدب المعتقلات، يضيف شيئا جميلا للمنتج الأدبي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص.

ودعا أبو شاويش، الأسرى، للكتابة عما يعايشونه في أقبية التعذيب والتحقيق، معتبرًا ذلك، واجبًا وطنيًا، لتكون شاهدة على ديمومة روح العمل الوطني ونضالات الأسرى  في وجه السجان الظالم. 
إبداع وأدب المعتقلات

ومن جانبه يطلق رئيس جمعية النقاد الفلسطينية، الدكتور محمد البوجي، على هذه النوعية من الكتابات، "أدب المعتقلات"، قائلًا لـ"الكوفـية" ، "هو ليس أدب سجون، المصطلح الصحيح، (أدب المعتقلات)، السجن يكون لغير المناضلين، أما المعتقل فهو للمناضلين فقط".

ويرى البوجي، أن أدب المعتقلات، هو نتاج  الإحساس بالقهر إزاء سلوكيات ضابط الاحتلال في التحقيق وداخل الزنازين، وكذلك الفخر، أنه يضحي من أجل إحياء الوطن والصمود لأجله.

وأشار البوجي، إلى أن هذا الأدب،  يصف الحالة التي يعيشها الأسير، ويشخصها بتفاصيلها المؤلمة، ليس فيه خيال بقدر ما هو رصد لما حدث بأسلوب أدبي.

عبر البوجي، لـ"الكوفـية" عن حيرته في التعامل مع أدب المعتقلات، لافتاً "أنا شخصيا في حيرة من التعامل مع أدب المعتقلات، بين المجاملة الخارجة عن نطاق النقد، بوصفه أديبًا طموحًا يعاني من حالة خاصة، وهنا لا تستطيع وصفه بالضعف لأنك محرج أمام فدائي يضحي بعمره".

لحظات الصدق
من جهته، اعتبر الكاتب والباحث ومدير "مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق"، ناهض زقوت، أن أدب التجربة الاعتقالية، من أصدق أنواع الكتابة سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، لأنه وليد تجربة حية صادقة، فالإبداع يولد من رحم المعاناة، ويهدف إلى تصوير الحياة التي يعيشها المعتقل خلف القضبان، من سحق لكرامته إلى الإهانات وحالات التعذيب التي يتلقاها، إلى الحالة النفسية والشعورية التي يعيشها بعيدا عن الأهل والأصدقاء، لينتج أدبًا وطنيًا مقاومًا يمجد النضال ويرفض واقع القيد والاحتلال.

وتابع زقوت، في حديثه لـ"الكوفية"، "لقد مارس الاحتلال الإسرائيلي العديد من الأساليب على المعتقلين الفلسطينيين لتنفيذ مخططاته، هي سياسة الإفراغ الفكري والثقافي، في محاولة لزرع ثقافة مشوهة بديلة، تعمل على صياغة نفسية المعتقل من جديد وتطويعه وفق إرادتها.
لهذا قامت سلطات الاحتلال بإعلان الحظر التام على الثقافة الوطنية والإنسانية، بل على كل وسيلة ثقافية، حتى الورقة والقلم كان المعتقل محروم منهما، ناهيك عن الكتاب، لكن المعتقلون لم يستسلموا لهذا الواقع، فكان لابد لهم من إيجاد وسيلة للتغلب على مشكلة الورقة والقلم، فعملوا على تهريب أدوات الكتابة من خلال زيارات الأهل أوعن طريق المحامين
.
أبرز القضايا
يتناول المبدعون المعتقلون في كتاباتهم الأدبية، قضايا مرتبطة بظروف اعتقالهم، وبتفاعلهم مع الأحداث الخارجية، ومن القضايا التي عبروا عنها: تسجيل واقع المعتقل، ورسم صورة للسجان وممارساته ضد المعتقلين، من تعذيب وضرب على أماكن حساسة وخنق بالكيس في الرأس، وكتم الأنفاس، وتعصيب العينين، والشبح، والهز العنيف بعد تقييد اليدين للخلف، وخلع الأظافر، وتحطيم الأسنان.

كما أنهم يكتبون عن مساحة السجن الضيقة، والزنازين الانفرادية، وغرف السجن وما تحتويه من رطوبة وعفن، وسكون ووحدة وقلق، وظلام وقتامة، ووصف لأسوار السجن، بالإضافة إلى تناول أقبية التحقيق وما يدور فيها من ممارسات سادية وعنصرية ضد المعتقلين، وكذلك وصف أدوات التحقيق والتعذيب.

كما يتناول أدب المعتقل، قضايا متعلقة بالحياة العامة خلف القضبان مثل: "المواجهة، والتحدي، الحرمان، الصمود، الانتماء، الحنين للأهل والأبناء والأصحاب، والنضالات والإضرابات داخل المعتقل، ورفض القيود والتمرد عليها وكسر طوق العزلة التي يسعى الاحتلال لفرضها على المعتقلين".

الاحتلال يشوش على أفكار الأسرى

وضعت سلطات السجون،  قيودًا للتشويش على أفكار الأسرى والنيل من إبداعاتهم، وتمثل ذلك في خضوعها للرقابة والتدقيق والفحص الأمني، وتحديد نوعية الكتب المسموح بإدخالها،  وكذلك كمية الأقلام والورق، وأخيرًا فرضت على كل معتقل أن لا يقتني أكثر من كتاب واحد، وفي حالات كثيرة كانت تقوم سلطات السجون باقتحام غرف المعتقلين ومصادرة الكتب والدفاتر والأقلام كعقاب لهم.

 لقد واجه الأسرى الفلسطينيون إرادة المحتل، لـ"النيل من عزيمتهم ومحاولة إفقادهم وعيهم، وتفكيك قدراتهم الثورية والكفاحية لأجل إحباطهم وتحطيم صمودهم، فكانوا الأقوى ومن رحم الوجع اليومي أنبتوا قصصًا وروايات ونسجوا من عتمة الزنازين أشعارًا".

خطّوا ذلك جميعه على وسائل غير تقليدية، كون المحتل لم يكن ليسمح لهم بإدخال أدوات الكتابة والتدوين، فمن الكتابة على المغلفات الورقية للأغذية التي يُسمح لهم بشرائها من الكانتينا، إلى إخفاء مواسير الأقلام التي كانت تُوزع عليهم مرة في الشهر لكتابة رسائل لأهلهم، تحمّلوا العقاب الجماعي من أجل أن يدونوا تفاصيل حياتهم،  لحظات الوجع والانكسارات، ومحاولات التغلب على ظلم السجان.

تجارب إبداعية داخل الزنازين

كتب الأسرى الفلسطينيون، العديد من القصص والروايات والخواطر، وطُبعت عدة إصدارات لهم، منها ما سُرب كتاباته خلسةً، بعيدًا عن أعين السجانين في كبسولات ورقية، كل واحدة منها لا تزيد على حجم نصف كف اليد، كما حدث في رواية "ظل الغيمة السوداء"، لكاتبها شعبان حمودة، ومنهم من كتبها خارج أسوار السجن بعد الإفراج عنه، كـرواية "محاكمة شهيد" للأسير وليد خالد.

نسج الأسير فاضل يونس، رواية "عودة الأشبال" يسرد فيها عملية دلال المغربي البطولية، ويلخص السياسي البارز مروان البرغوثي، تجربته اليومية والمستمرة في كتاب أطلق عليه اسم "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" أما الأسير عبد الله البرغوتي، يحاكي في روايته، ابنته الكبرى تالا، في روايته "أمير الظل" التي عاشت لحظة اعتقاله.
"حكاية صابر" و "خريف الانتظار"

كما نسج الأسير المحرر رأفت حمدونة في سجن نفحة "رباعية العشق" وهي عبارة عن أربع روايات، يتحدث فيها بعناية، وتسلل واضح للأحداث والأجيال، لمحطات نضالات شعب، وعذابات أسراه داخل أقبية السجون، فإن الأسير المقدسي، محمود عيسى، اختار اسم صابر ليكون بطل روايته "حكاية صابر".

تنوعت الكتابات، والموضوعات، ليكتب الأسير الروائي حسن الفطافطة "خريف الانتظار"، وعادل سالم "عناق الأصابع"، ورواية "المسكوبية"  للأسير أسامة العيسة، و"مذكرات أخرس في زنازين الاحتلال" لخالد الزبدة، و"ستائر العتمة" وشباك العصافير"، للأسير للأديب وليد الهودلي، و"في عين العاصفة" لشفيق التلاوي، و"الحاسة صفر" لأحمد أبو سليم.

نموذج من الحركة الأسيرة في فلسطين

 وأصدرعميد الأسرى الفلسطينين، أحمد جبارة أبو السكر، كتاب نموذج من الحركة الأسيرة في فلسطين، ليزيد رصيد إبدعات الأسرى، والزخم في الروايات، التي من بينها أيضًا رواية "هواجس أسيرة"، للأسير كفاح طافش، و"حكاية الدم" لزاهر جبارين، و"فتح النوافذ الموصدة" لسامي الكيلاني، ورواية "حينما تصبح الضحية متهمة"، لجابر الطميزي، ورواية "خمس نجوم تحت الصفر" لحاتم إسماعيل الشنار.

وهو الأمر الذي يثبت واقعية ما تطرحه التجربة الإبداعية في المعتقلات، تعكس حقيقة الواقع الذي عاش فيه المعتقل الفلسطيني، وتكشف بشكل فعال عن المثل العليا الوطنية السياسية والاجتماعية وعن المضمون النضالي والإنساني للمعتقلين. وتضعنا في صراع الوجود، الذي يقاتل من أجله الأسرى ، داخل سجون الاحتلال، وتؤكد صمودهم الأسطوري، وإرادتهم الفولاذية، لاختراق فكرة العجز والقيود، لترى إبداعاتهم وكتاباتهم النور، تفضح جرم الاحتلال، وتطفي جمالًاأدبيا، يتسم بعمق التجربة، والقيم الإنسانية، وترسل رسائل الفخر، كيف يستطيع الأسير الفلسطيني بكل الوسائل وبشتى الطرق بقلمه وحرفه أن يقهر السجان، ليسقط مقولة الجيش الذي لا يهزم، بإرادة من حديد.

 

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق