الكوفية:ألبس نتنياهو دولة إسرائيل، الخوذة الفولاذية، والرداء العسكري ووضعها تحت السلاح، إلى مدى زمني مفتوح، ونحو هدف غير واقعي عنوانه «النصر المطلق».
كان خطابه أمام الجمعية العامة بمثابة إعلان متجدد لجدول أعماله، ورغم مغالاته في استعراض القوة وادعائه القدرة على تشكيل الشرق الأوسط وفق التصاميم الإسرائيلية، إلا أنه لا يحدث من فراغ، أو لمجرد الادعاء، بل بين يديه مغريات موضوعية تدفعه للمضي قدماً في العمل العسكري على عدة جبهات في وقت واحد.
أول المغريات.. التحسن الملحوظ في وضعه الداخلي، بحيث تطورت أغلبية ائتلافه في الكنيست بإضافة أعضاء جدد ما أبعد شبح الانتخابات المبكرة التي كان يعمل عليها منافسوه كوسيلة للإطاحة به.
وثاني المغريات.. شعوره ومعه المؤسسة العسكرية بكل تشكيلاتها بثقة زائدة جرّاء الإنجازات التي تحققت على الجبهة الشمالية، وأهمها معنوياً اغتيال السيد حسن نصر الله، وكثيرين من أركان حزبه، مع قتل وجرح الآلاف من قواته، وإرباك الحاضنة اللبنانية للحزب بسيول المهجّرين الذين تدفقوا إلى الضاحية الجنوبية وبيروت.
وثالث المغريات.. تصدّع الجدار الإيراني الذي استند إليه «حزب الله» استراتيجياً، ما أدّى إلى وقوع الحزب في حالة فراغ تحالفي، في وقت هو في أشد الحاجة إليه، إذ فُرضت عليه المواجهة منفرداً، في حرب شرسة إسرائيل مجرد رأس حربة فيها، إذ وراءها الجدار الأميركي والأطلسي.
ورابع المغريات.. بينما إسرائيل تحارب، ووراءها أميركا والأطلسي فإن قوى الممانعة، تبدو مشتتة ومتفرقة، بفعل الإمكانات المحدودة المتوفرة لديها بالقياس لما لدى الخصم، وبفعل تباعد المسافات بينها وبين إسرائيل، بحيث وإن كانت تزعج بالفعل، إلا أن قدراتها العسكرية لم تصل حد التأثير الحاسم في الساحتين الرئيسيتين الشمالية والجنوبية.
هذه هي أهم مغريات نتنياهو، ولكن دعونا نلقِ نظرة على ما هو أبعد من اللحظة وما يجعل المغريات غير مؤهلة لحسم الحرب على النحو الذي يصفه نتنياهو «بالنصر المطلق».
لقد فُرضت على إسرائيل حروب استنزاف لا قِبلَ لها بحسمها ما دامت لا تجد المخارج السياسية والنهائية منها، فها هي تجد نفسها متوغلة في تدخل بري على الجبهة الشمالية، يبدو محدوداً في بدايته كما تدّعي، دون التيقن من ألا يتدحرج إلى ما هو أوسع، وساعتها لن تكون الحرب، مع ما يظنه بقايا «حزب الله» بل مع لبنان كله، وذلك حدث في السابق.
إن مغريات الدعم الأميركي والأطلسي لن تظل مفتوحة إلى ما لا نهاية، فبقدر ما هي الحرب مجال استنزاف لإسرائيل، فهي كذلك لأميركا والأطلسي ما دامت دون نتائج سياسية، وإذا ما ظلت أجندات إسرائيل وحدها تعمل.
إغراءات اللحظة التي تثير شهية نتنياهو، لمواصلة حروبه وكون هذه الحروب لا تفضي إلى خلاصات سياسية وأهمها تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وامتداداته الإقليمية فكل ما تفعله إسرائيل لن يفضي إلا إلى تواصل الصراع وتواصل بقاء الدولة العبرية تحت السلاح.
مغريات اللحظة مهما بدت فعالة في الحرب إلا أنها لن تلغي الاستحقاقات التي تترتب على إسرائيل ولا مهرب منها.