القاهرة: دخل الزعيم الشهيد ياسر عرفات «أبو عمار»، إلى رصيف ميناء بيروت متقدما موكبٍ فيه قادة الحركة الوطنية اللبنانية، وقبل صعوده إلى السفينة التي ستغادر لبنان إلى تونس لوح بيديه أمام الآلاف الذين احتشدوا في وداعه، قائلا: «إنني راحل لكن قلبي سيبقى في بيروت».
ودع الشهيد «عرفات»، لبنان التي أحبها باكياً، مختتمًا سنوات الوجود الفلسطيني المسلح في المواجهة العربية الرسمية للاحتلال الإسرائيلي، والذي تم تنظيمه بشرعية «اتفاق القاهرة» الذي تم توقيعه يوم 3 نوفمبر 1969، ووقعه إميل البستاني قائد الجيش اللبناني، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وبحضور الفريق أول محمد فوزي، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة المصرية في حينه، وسمح بوجود قواعد فلسطينية مسلحة في لبنان لشن عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
تم الاتفاق برعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في أثناء مرحلة المواجهة العربية المسلحة لإسرائيل، ومع زيارة الرئيس الشهيد أنور السادات لإسرائيل عام 1977، ثم توقيعه اتفاقية كامب ديفيد، أصبح تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان هدفًا إسرائيليًا، ومن هنا بدأت عملية اجتياح إسرائيل للبنان يوم 6 يونيو 1982 الذي قاومته الحركة الوطنية اللبنانية، وقوات منظمة التحرير الفلسطينية ببسالة.
استمر القتال 88 يومًا حاصر فيها الجيش الإسرائيلي بيروت، وفيما كانت طلقات البنادق تتواصل، كانت مفاوضات المبعوث الأمريكي «فيليب حبيب» تتواصل، وانتهت بتوقيع اتفاق بخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وتوزيعهم على الدول العربية، وبدأ الفوج الأول في المغادرة يوم 21 أغسطس 1982، وكان ياسر عرفات آخر المغادرين يوم «30 أغسطس، مثل هذا اليوم، عام 1982»، ومن بيروت توجه إلى العاصمة اليونانية أثينا، ومنها بالطائرة إلى تونس التي أصبحت مقرًا للمنظمة.
تونس «ثالثة المنافي» لعرفات ورفاقه بعد الأردن ولبنان
وقال مستشار الزعيم الشهيد ياسر عرفات، وأحد القيادات التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بسام أبو شريف في كتابه «ياسر عرفات»، إن « الزعيم الراحل ياسر عرفات حاول أن يقنع أعضاء القيادة الفلسطينية بالخروج معه، وعدم التوجه إلى دمشق حتى تكون الرسالة واضحة لكنه لم ينجح في إقناع القيادات اليسارية أو قادة يسار فتح بالخروج معه، وقبل ثلاثة أيام من مغادرتنا بيروت إلى طرطوس بسوريا عقد المكتب السياسي للجبهة الشعبية اجتماعًا طارئًا لبحث الترتيبات النهائية للخروج إلى سوريا، وترأس الاجتماع الدكتور جورج حبش «الحكيم» الأمين العام للجبهة».
وأضاف «أبو شريف»، «بينما نحن منهكون في مناقشة الترتيبات، إذا بياسر عرفات يرافقه عدد من المسلحين يدخل قائلًا وهو يضحك: «كبسة كبستكم، على من تتآمرون؟ كان يضج بالحيوية ويمازح ويضحك وهرع نحو الحكيم ليعانقه وجلس قائلًا: «اعتبروني عضو مكتب سياسي عندكم، لنكمل الحديث».. ضحك الجميع، وأطرق قليلًا وهو يهز ساقه ثم رفع رأسه، وقال: اسمحوا لي أن أقول كلمة قبل أن أترككم تتابعون عملكم: رغم ضآلة إمكانياتنا هزمنا شارون وحدنا عارفين يعنى إيه وحدنا، وهم يتصورون أننا نغادر بيروت نحو الاندثار والانهيار، لكن لن نندثر ولن ننهار، ولا أعتقد أن طريق القدس لن تمر بدمشق، لذلك أقول لأخي جورج «تعالى معي أنا رايح اليونان ومن هناك أتوجه إلى أرض الله الواسعة»، لكن جورج رد عليه بأن القرار هو للمكتب السياسي، وهو قرر الذهاب إلى دمشق، فرد: «حسنًا، إذا جئتكم مودعًا وسنلتقى حتمًا».
خرج ياسر عرفات من لبنان، يرافقه ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين وأعضاء مكتبه ومكتب الإعلام الفلسطيني والحرس الخاص على متن السفينة اليونانية، وأبحرت في حراسة وحدات بحرية أمريكية وفرنسية ويونانية.