عـن الـجـيـل الـثـالـث للخطط الوطنية للقرار 1325
نشر بتاريخ: 2025/12/21 (آخر تحديث: 2025/12/21 الساعة: 21:34)

أطلقت وزارة المرأة الجيل الثالث من الخطط الوطنية لتطبيق القرار 1325 على مدار السنوات الثلاث القادمة. وعبرت الخطة والوثائق الإجرائية المرافقة عن انعطافة نوعية على الصعيد المفاهيمي باستيعابها المستجدات والتغيرات السياسية والوطنية الجارية، بعد حرب الإبادة الجماعية وعمليات الضم وسياسة الفصل العنصري وسائر القوانين العنصرية الصادرة عن الاحتلال لتكريس سيطرتها واستبدادها.

ربما، من الجدير استخلاصه بأن أجندة المرأة والسلام والأمن في السياق الفلسطيني لم تكن إطاراً نظرياً أو ترفاً سياسياً واستمرت كذلك. فبعد حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وتصاعد وتيرة ابتلاع الأرض والتهجير والانتهاكات غير المسبوقة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، بات واضحا أن الخطط الفلسطينية تؤكد أن حالة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال بعيدة عن الحالات الطارئة أو تُصنف ضمن حالات النزاع، بل إن الاحتلال الطويل الأمد أحد العوامل البنيوية التي تعيد إنتاج العنف والفقر والتحكم، تسهم في تصعيد مستويات العنف الاجتماعي وتجسيداته: الإقصاء عن المشاركة، الانكشاف، الحاجة للحماية بسبب الترابط السببي بين الاحتلال والعنف المستمر.

لقد تجاوز المفهوم العام للجيل الثالث للخطط الوطنية حصر الفلسطينيات في الخطاب الإنساني التقليدي، نحو مقاربة أكثر منطقية وواقعية وملموسية، بوضع الإغاثة والتعافي في صلب ومركز العمل السياسي والنسوي دون تغييب الخصوصية، والنظر نحو الأدوار المستقبلية والتطلعات بارتباطها بركائز القرار ومحاوره الثابتة، المشاركة والحماية والوقاية والمساءلة، بمعنى تكييف القرار لجعل التعافي في مركز المحاور كأداة وإطار عمل للمشاركة والحماية والوقاية والمساءلة.

لقد قدمت خطة الجيل الثالث مؤشرات زمنية واضحة، تحديد مشاركة النساء الفعلية والقيادية في لجان الطوارئ والإيواء والإعمار، لا بوصفها حضوراً شكلياً بل حقاً ملزماً، تغيير تحديد احتياجات النساء من اقتصارها على مستفيدات إلى التعامل معهن كمواطنات شريكات في رسم السياسات وصنع القرار ومتطلبات عدم اقتصارها على الرمزية بل بمعايير العدالة الجندرية، لهن ما للجميع وعليهن ما يقع على الجميع.

الجديد في هذه الوثيقة ليس فقط تركيزها على الإغاثة والتعافي بعد حرب الإبادة، بل إعادة تعريفها لوظيفة القرار 1325 ذاتها. فالقرار، كما تقدمه الخطة، يتحول من إطار حماية إلى أداة مساءلة ومناصرة وضغط دولي وهو ما يتم فعلياً لكن متطلبات مواجهة حرب الإبادة أكسبته الأبعاد المنهجية، وهذا تحول سياسي بالغ الأهمية.

ويُحسب للخطة جرأتها في الانتقال من خطاب «تمكين النساء» إلى تثبيت المشاركة الاقتصادية الملزمة وربطها بمؤشرات وأدوات قياس: حصص واضحة في لجان الطوارئ والإيواء، ربط الإعمار بمشاركة النساء، وتسجيل المساعدات والموارد باسم النساء لا بالنيابة عنهن. هذه ليست تفاصيل تقنية، بل تتموضع بمواجهة مباشرة لبنية الإقصاء في المجتمع، وداخل النظام الإنساني نفسه.

حسناً فعلت الخطة باستيعاب المشاركة الفاعلة للمرأة في حفظ السلم الأهلي كاعتراف منها بالأثر العميق للانقسام السياسي على تصدع النسيج المجتمعي الفلسطيني. ومن هذا المنطلق، لا بد من مراعاة الأنشطة الولوج العملي إلى مسار العدالة الانتقالية كإحدى ضرورات التعافي المجتمعي، وجبر الضرر، كشف الحقيقة والاعتراف بالمعاناة، وضمان عدم التكرار.

كما يُحسب للخطة محاولتها المعالجة السياساتية للفئات الأكثر هشاشة، لا سيما النساء في قطاع غزة، ومخيمات شمال الضفة، والتجمعات البدوية، والقدس الشرقية، إضافة إلى الأسيرات في سجون الاحتلال والأسيرات المحررات وذوات الإعاقة من خلال التوثيق وتقديم الشهادات والمساءلة نحو تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

غير أن قوة الخطة تكشف عن تحدياتها، فالرهان على التطبيق في ظل واقع أدوات المساءلة الدولية وأزمة التطبيق، يجعل التنفيذ محفوفاً بالمخاطر، عدا أن الخطة ستبقى افتراضية وحبيسة الأدراج ما لم تتوقف الحرب بشكل نهائي أو لم يتوفر التمويل اللازم للإنجاز.

أما بخصوص مسار المساءلة الدولية، فلا بد من ملاحظة أن حضوره الخطابي ما زال بحاجة إلى: اختراقات شعبية وتضامنية عابرة للحدود تواصل الاشتباك السياسي في المحافل والمؤتمرات، وتغيير موازين القوى وتغيير الرأي العام، تفعيل الآليات الدولية وأدوات الضغط الواضحة والتحالفات النسوية الوازنة، وربط أنشطة الخطة بحملات ضغط سياسية وقانونية مستمرة، وذلك كله بسبب عجز النظام الدولي عن حماية النساء الفلسطينيات، رغم وفرة القرارات والالتزامات.

في المحصلة، الخطة ليست نهاية الطريق، بل بدايته: محاولة جادة لوضع النساء في قلب الاستجابة، لا على هامشها، وربط العدالة الجندرية بالعدالة الوطنية في واحدة من أكثر اللحظات قسوة في التاريخ الفلسطيني المعاصر.