الكرفانات إبرٌ مُسكّنة لا تُغني عن بيوتنا
نشر بتاريخ: 2025/12/19 (آخر تحديث: 2025/12/19 الساعة: 15:07)

 

حربٌ طويلةٌ أطاحت بالأخضر واليابس، لم تكتفِ باستهداف الحجر والشجر، بل طالت الإنسان ذاته، فاقتُلعت البيوت من جذورها، وتبعثرت الذكريات الجميلة في جوف الركام الرمادي. لم يكن الدمار مشهدًا عابرًا، بل ذاكرةً ثقيلةً تُخيّم على الأرواح قبل الأماكن، وتترك أثرها الغائر في النفوس.

 

اليوم، تُطرح الكربانات بوصفها حلًا مؤقتًا، لكنها في حقيقتها لا تختلف كثيرًا عن الخيام، وإن ارتدت ثوبًا أكثر صلابة. هي “خيام صفيح” بوجهٍ عصري، إبرٌ مُسكّنة تُخفّف وجع اللحظة، لكنها لا تعالج ألم فقدان البيت، ولا تُغني عن حقٍّ أصيل في السكن الآمن الكريم، ولا تصلح بديلًا عن الإعمار الحقيقي.

 

فالبيت ليس جدرانًا وسقفًا فحسب؛ البيت ذاكرة، أمان، خصوصية، وانتماء. والكربانات—مهما حسُنت—تبقى مؤقتة، لا تُعيد ما سُرق من طمأنينة، ولا تُرمّم ما تهدّم في الروح. ومن هنا، فإن مرحلة ما بعد الحرب لا تحتمل التسكين، بل تتطلب علاجًا جذريًا.

 

إن إزالة الركام والحطام ليست مهمة تقنية فحسب، بل فعلُ استعادةٍ للحياة. وعلى أن تُدار هذه العملية بحكمة، بحيث يُستفاد من الركام عبر تدويره بشكلٍ علميٍّ ومدروس، ليعود نفعه إلى صندوق الشعب الفلسطيني، دعمًا للإعمار، وترسيخًا لمبدأ أن ما تهدّم يمكن أن يُعاد توظيفه في البناء من جديد.

 

ويوازي ذلك ضرورة تخطيطٍ حضريٍّ شامل، تقوده بلدياتٌ فاعلة ترسم حدود المنازل، وتنظّم الأحياء، وتؤسّس لمدنٍ إنسانيةٍ قابلة للحياة، لا لرقعٍ إسعافية. تخطيطٌ يحترم الجغرافيا والإنسان، ويمنع الفوضى، ويؤسس لمستقبلٍ أكثر أمانًا واستقرارًا.

 

ثم يأتي جوهر العملية: بناء المنازل بما يتوافق مع رغبات الناس واحتياجاتهم. فالناس أدرى ببيوتهم، بأحلامهم، وبما فقدوه. الإعمار الحقيقي هو الذي يُشرك الإنسان في القرار، ويمنحه الحق في أن يرى بيته كما يريد، لا كما يُفرض عليه.

 

الخلاصة:

بعد انتهاء الحرب، بات الإعمار ضرورةً مُلحّة للشعب الفلسطيني، ولا يجوز المماطلة في هذه القضية الحسّاسة. إننا نناشد دول العالم العربي والغربي الوقوف إلى جانب شعبنا، وتوفير بيوتٍ آمنة تُعيد له جزءًا مما فقد في هذه الحرب الملعونة. ونطالب—كذلك—بضماناتٍ دولية تحول دون تكرار هذه الحروب المجنونة على الفلسطينيين، فقد أنهكت الحروبُ المتتالية العقول، وشتّتت الأحلام، وأثقلت كاهل الشباب والنساء والأطفال والشيوخ.

 

وفي الختام، يبقى الأمل حقًّا لا يُقصف، وبيتُ الكرامة لا يُستبدل. ونتمنى أن يعمّ الأمن والأمان والسلام في فلسطين، وفي كافة بقاع الأرض.