أذربيجان وقرار عدم المشاركة في قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة
نشر بتاريخ: 2025/12/17 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 20:05)

يعكس قرار أذربيجان الاعتذار عن المشاركة في قوة الاستقرار الدولية المقترحة في قطاع غزة جملة من الاعتبارات السياسية والجيوسياسية، يأتي في مقدمتها وزن العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، وما تمثله من امتداد قومي وأمني لأذربيجان، مقابل طبيعة العلاقة الوظيفية والمصلحية التي تربط باكو بإسرائيل.

يوضح هذا المقال أن القرار الأذربيجاني لم يكن انعكاسًا لموقف عدائي تجاه إسرائيل، بقدر ما هو نتاج حسابات توازن إقليمي، وتجنب الانخراط في ترتيبات أمنية قد تُفسَّر على أنها خروج عن الإجماع الإسلامي أو تعارض مباشر مع الموقف التركي.

السياق العام للقرار

يأتي طرح تشكيل قوة استقرار دولية في قطاع غزة في مرحلة بالغة الحساسية إقليميًا، حيث تتداخل الاعتبارات الإنسانية مع الحسابات الأمنية والسياسية. وبالنسبة لأذربيجان، فإن أي مشاركة عسكرية خارج نطاقها الجغرافي التقليدي تخضع لمعادلات دقيقة، لا سيما عندما تكون مرتبطة بصراع عالي الرمزية في العالمين العربي والإسلامي.

ضمن هذا السياق، فضّلت باكو تبني موقف حذر، قائم على عدم الانخراط المباشر، بما يحفظ شبكة علاقاتها الإقليمية ويجنبها تداعيات سياسية غير محسوبة.

محددات العلاقة التركية–الأذربيجانية

1.البعد القومي والاستراتيجي

تُعد تركيا أول دولة اعترفت باستقلال أذربيجان عام 1991، وقد أسس هذا الاعتراف المبكر لشراكة تتجاوز المصالح الظرفية إلى علاقة ذات طابع قومي وثقافي. وقد كرّس هذا المسار مفهوم “أمة واحدة في دولتين” كإطار ناظم للعلاقات الثنائية.

2.التنسيق السياسي والعسكري

يتسم التنسيق السياسي بين البلدين بدرجة عالية من التطابق في القضايا الإقليمية، وعلى رأسها دعم تركيا الثابت لوحدة الأراضي الأذربيجانية في ملف ناغورنو كاراباخ. كما تطور التعاون العسكري ليشمل التدريب، وبناء العقيدة القتالية، واتفاقيات دفاع مشترك، كان لها أثر حاسم في حرب كاراباخ الثانية عام 2020.

3.العمق الجيوسياسي

تمثل أذربيجان لتركيا بوابة استراتيجية نحو القوقاز وآسيا الوسطى، فيما تشكل تركيا المنفذ الحيوي لأذربيجان نحو أوروبا، خاصة في مجال الطاقة. هذا التشابك البنيوي يجعل من الصعب على باكو اتخاذ مواقف إقليمية كبرى تتعارض مع الرؤية التركية.

طبيعة العلاقة بين أذربيجان وإسرائيل

1.شراكة وظيفية لا تحالفية

ترتكز العلاقة بين أذربيجان وإسرائيل على أسس براغماتية، تشمل التعاون العسكري والتقني، وتبادل المصالح في مجالي الأمن والطاقة. ورغم أهميتها، فإن هذه العلاقة لا ترتقي إلى مستوى التحالف السياسي الشامل.

2.حدود الانخراط السياسي

تحافظ أذربيجان على مستوى منخفض من الظهور السياسي في علاقتها مع إسرائيل، مراعاة لبيئتها الإقليمية وعلاقاتها مع العالم الإسلامي. وعلى الرغم من وجود علاقات دبلوماسية رسمية، فإن التنسيق السياسي العلني يبقى محدودًا.

3.الحساسية الجيوسياسية

تنظر إسرائيل إلى أذربيجان باعتبارها نقطة ارتكاز استراتيجية في محيط إيران، بينما ترى باكو في إسرائيل مصدرًا مهمًا للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، دون الانخراط في تحالفات قد تفرض التزامات سياسية أوسع.

تفسير القرار الأذربيجاني

يمكن تفسير قرار أذربيجان بعدم المشاركة في قوة الاستقرار الدولية في غزة من خلال ثلاثة اعتبارات رئيسية:

1. أولوية العلاقة مع تركيا وما تفرضه من انسجام في المواقف الإقليمية الحساسة.

2. تجنب التورط في صراع عالي الرمزية قد يؤثر على صورة أذربيجان في العالم الإسلامي.

3. الحفاظ على سياسة التوازن بين شراكاتها الأمنية ومحددات الشرعية السياسية والإقليمية.

سادسًا: الانعكاسات المحتملة

• على المستوى الإقليمي: يعزز القرار موقع تركيا كفاعل مؤثر في توجيه سياسات حلفائها في القوقاز.

• على العلاقة مع إسرائيل: من غير المتوقع أن يؤدي القرار إلى تراجع جوهري في التعاون الأمني، ولكنه يعكس حرص باكو على الظهور كدولة توازن لا طرف انخراطي في صراعات الشرق الأوسط.

يؤكد الموقف الأذربيجاني من مسألة المشاركة في قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة أن باكو تتحرك ضمن إطار براغماتي محسوب، يُقدّم التحالف الاستراتيجي مع تركيا بوصفه مرجعية عليا، ويُبقي العلاقات مع إسرائيل ضمن حدود المصلحة الوظيفية. ويعكس هذا النهج إدراكًا أذربيجانيًا لحساسية الجغرافيا السياسية المحيطة بها، وسعيًا للحفاظ على توازن دقيق بين الشراكات الأمنية والاعتبارات السياسية الأوسع.