«سر الزعفرانة»... رواية تمزج الحداثة بالبادية
نشر بتاريخ: 2025/11/24 (آخر تحديث: 2025/12/06 الساعة: 00:22)

متابعات: يعد الزعفران أحد أشهر أنواع التوابل القيّمة بلونه الأحمر البرتقالي المائل للذهبي، ورائحته العطرية المميزة، لكنه يتجاوز في رواية «سر الزعفرانة» فوائده في الطب التقليدي ليصبح رمزاً ودلالة على شخصيات بارعة في مداواة جراح الروح ووضع عطور التعافي من الأذى والألم النفسيين.

صدرت الرواية أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، للكاتبة بدرية البشر، التي ترسم ببراعة ملامح شخصية «نفلة»، الفتاة اليتيمة التي جرعت مرارة الفقد، وتجد في سيدة بسيطة تنبض بالحكمة وتبرع في العلاج بالأعشاب بوصلة روحية تتعلم منها كيفية مواجهة تقلبات الحياة، وتتتبع خيط حب يقودها من البداوة إلى الحداثة، لتتحول من فتاة ضعيفة إلى امرأة ناضجة تتلمس صنع مصيرها.

يموج العمل بروح أنثوية آسرة ورحلة استثنائية عبر عوالم متناقضة حيث ترتسم الأحلام في عمق الذاكرة المحلية، وعبر مجالس النساء العفوية التي تفوح منها رائحة الزعفران، وتتوالد القصص على وتر الذاكرة وتتجلى أسرار الحياة والموت، حتى يمكن القول إن «سر الزعفرانة» ليست مجرد حكاية، بل استكشاف لقوة المرأة وأخوية النساء والبحث عن المعنى في عالم يمزج الواقع بالخيال.

وبدرية البشر كاتبة وروائية سعودية حاصلة على دكتوراه في فلسفة الاجتماع، صدرت لها رواية «غراميات شارع الأعشى» التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائز «البوكر العربية» وتحولت إلى مسلسل بالاسم نفسه.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«هبت الرياح... حبات المطر تنقر السطح وتموج حقول البرسيم وسنابل القمح. قال أبي يحدثنا:

إنها أيام العجوز، أيام نحس لا يُستحسن فيها الزواج ومن تُزرع بذرته فيها يولد مشوهاً، يسميها العرب كذلك لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً وتتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن. وقيل سُميت أيام العجوز لأنها وقعت في الشتاء.

تكرر موتي مرات ومرات، كل ليلة أموت وفي الصباح أحيا من جديد. أستيقظ بلا ذاكرة تمشط عقلي كل يوم شحنة ذكرياته، تتساقط.. أتخفف من الثقل الذي جثم على رأسي وعصب عيني، أستيقظ وقد اتضحت الرؤية فأستعيد شيئاً من قدرتي على النظر وكذلك السمع.

نهضت بعد غفوة طالت لأعانق شمس الضحى وقد امتلأ قلبي بالأمل من جديد، ارتاح جسدي وهدأت مخاوفي، وجدت سقفاً فوق رأسي وباباً موصداً أمامي، لم تعد الصحراء تنفتح أمامي بلا حدود. آلمت الجدران عيني وقبضت أنفاسي، وجدتني في منزل صغير من طين، رتاج بابه مكسور تتدفق خيوط الشمس من شقوقه. أنظر إلى باحته الضيقة وقد اصطفت على جدارها ست قطع من الأحجار المستطيلة اتخذت موقداً يلحق بها حوش غنم صغير وضع أبي فيه غنمتين وإلى جانبه شرفة تطل على مزارع القمح وبساتين النخيل.

تتسلل خيوط ضوء واهن من كوة في أعلى الجدار، يمتد جذع شجرة نخيل بين جدارين منشورة عليه ثياب قديمة يعلوها الغبار وعلى الأرض حشوة من القطن المهترئ اتخذناها فراشاً عدا أربع حشوات قش أخرى أسندت إلى الجدار، لا شيء في البيت. يستيقظ والدي مبتسماً، كل يوم يشكر الله سعيداً بهذه النعمة.

ناداني: «نفلة».

فهمت، هذا اسمي «نفلة» زهرة الجبل العالية.