لم يعد مثيرا ابدا، صمت محمود عباس رئيس مقاطعة رام الله، وحكومته عن الغزوة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتجاهل كلي لتبعات ذلك العدوان، إنسانيا ووطنيا، حتى وصل الى سقوط أخلاقي غير مسبوق ممن يعتبر نفسه رئيسا، او يحمل "ختم الرئيس" بالإكراه وبجدار غير فلسطيني.
أن تلهث حكومة المقاطعة بعد أن ساعات من الغزوة لتبدي "حزنها واسفها"، وتطالب لمجتمع الدولي بتوفير الحماية الدولية للشعب، فتلك هي السقطة السياسية الأكبر، ليس لأنها تكذب بكل تعريف للكذب، بل كونها جزء اصيل في تلك الغزوة، وشريك عملي بحصار غير مسبوق قرره محمود عباس منذ عامين وشهر (أبريل 2017 في خطابه بالمنامة)، ولذا كل ما يصدر عنها وعن الحاكم بأمر غير وطني ليس له قيمة، ولن يتم تسويقه ابدا.
نعم، يوم 4 مايو 2019 سقط قناع سياسي هام ولم تتمكن حكومة رام الله، بإيعاز من محمود عباس، بالتعامل مع الغزوة الإسرائيلية على قطاع غزة، ولذا سقط كل قول لوزيرها الأول د. اشتية، ولن يصدقه بعد 4 مايو أي فلسطيني أو غير فلسطيني بالحديث عن "الكل الفلسطيني" او التعاطف اللغوي" مع أهل قطاع غزة.
يوم 4 مايو كان فاصلا في بناء جدار عزل سياسي من حكومة المقاطعة مع قطاع غزة، ولن ينساه التاريخ الوطني ابدا، كخطوة عملية لتمرير الصفقة الإقليمية الكبرى "صفقة ترامب" بالمعني العملي، بعيدا عن "مظاهر الجعجعة الفارغة" فتلك "جعجعة" متفق عليها بين فريق المقاطعة ودولة الكيان، كخدعة سياسية لا أكثر، وهناك عشرات التفاصيل للدلالة على "الاتفاق السري" بين الأمن الإسرائيلي ورئيس سلطة الحكم المحدود في كيفية تمرير الصفقة الكبرى.
مع سقوط "الفرع الشمالي" (فرع المقاطعة) للرسمية الفلسطينية، فهل هناك مبرر سياسي ما لأن تصمت جماهير الضفة الغربية والقدس عن الخروج الشعبي لرفض الغزوة الإسرائيلية على قطاع غزة، كيف يمكن ان يسقط عشرات الشهداء ومئات الإصابات خلال ساعات وقصف متواصل لمباني سكنية، والضفة وكأنها لا تعلم بما يحدث.
لنتخيل المسألة مختلفة، بأن تتعرض الضفة والقدس لغزوة عسكرية تدميرية فهل يمكن ان يصمت اهل قطاع غزة على ذلك، قطعا لن ولن ولن، سيخرج عشرات آلاف في حشود الى السياج الفاصل، ولن نكرر أن المنطقة الوحيدة التي قدمت 70 شهيدا رفضا للقرار الأمريكي بنقل السفارة الى القدس كان قطاع غزة.
التطرق الى هذه المسألة التي قد يراها البعض "حساسة سياسيا" بات ضرورة وطنية، لتبيان خطر نظام عباس على الوطنية الفلسطينية بكل أركانها ومكوناتها، وكيف له أن تمكن من "زرع الفصل" في الوعي قبل الواقع.
المشهد لم يعد انقساما فصائليا بين هذا الفصيل أو ذاك، لكنه تجاوز ذلك كثيرا، وسنصل الى مرحلة لا عودة عنها من "الفصل السياسي الكامل"، ما لم تنتفض بعض قوى للتصدي وتكسر حاجز الترهيب وتخرج تعبيرا عن وحدتها ضد الغزوة الإسرائيلية، وضد الصمت الذي يقوم به فريق المقاطعة، ولكسر قرارات حصار القطاع خدمة للمشروع المعادي.
لما لا تتوحد قوى رفض حصار غزة المتواجدة في الضفة لتتحدى ذلك، وهي تملك حضورا شعبيا كافيا بأن يقلب المعادلة الصامتة...وليس بالضرورة ان يكون الاختبار من رام الله، المحاصرة بأمن مشترك، هناك مناطق لها القدرة على كسر ذلك، ولا تحتاج سوى قرار ومبادرة جمعية لكل رافضي التآمر والحصار، وليسوا جزءا من تنفيذ المشروع المعادي...
أليس غريبا ان تقف حركة فتح صامتة ليس في الضفة فحسب، بل في قطاع غزة، لم يكن لها أي حضور عملي وكأنها لم تعد بذي صلة بالحدث العام...
مظاهر الغزوة الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني تحمل مؤشرات خطيرة جدا، ورسالة للتحالف المعادي أن الصفقة ستمر دون مقاومة...فلا تحسبوا حسابا لغير الكلام الفارغ.
هل تحدث مفاجأة وتشهد الضفة حركة فعل شعبي تعيد الاعتبار للوطنية الفلسطينية الموحدة، ام ترسل للقطاع دعواتها وتقول "سلامي لكم يا اهل غزة المنتفضة"...قلوبنا معكم...ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة" والى لقاء كفاحي جديد في زمن جديد!
ملاحظة: كشفت الغزوة الإسرائيلية الأخيرة غياب "القيادة السياسية الموحدة" ومعها غياب الخطاب الإعلامي الموحد فلسطينيا (قطاع غزة) ...سقطة تكشف أن العشوائية هي سيدة الموقف لا أكثر!
تنويه خاص: لعنة الرضيعة صبا وأمها والجنين الذي لم ير النور، ستلاحق "قيادة المقاطعة" قبل الطغمة الفاشية في تل أبيب...جريمة نادرة لم ترها الفرقة السوداء، تخيلوا لو أنها كانت إسرائيلية أو بالأدق يهودية...عباس قبل ترامب كان سيبكيها!