عن الأوروبيين والمراوحة في دائرة القلق
نشر بتاريخ: 2019/02/28 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 20:03)

قبيل إقرار الصهاينة الإسرائيليين لقانون القومية اليهودية في تموز (يوليو) 2018، سعي الأوروبيون إلى الـتأثير في توجهات نواب الكنيست، لثنيهم عن التصويت لصالحه وعدم تمريره.

وقتذاك، عبَّر سفير الاتحاد الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل لارس أندرسون عن مخاوفه من الرائحة العنصرية؛ التي تفوح من هذا القانون.

على رغم التزام الممثل الأوروبي باللياقة الديبلوماسية، لجهة التحرك وأسلوب المخاطبة واللغة، إلا أنه قوبل بعاصفة إسرائيلية من الاحتجاج والتقريع؛ قادها بنفسه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

 فبشكل متبجح، اتهم نتانياهو الأوروبيين بالتدخل في مسيرة التشريع الإسرائيلية وتمويل مشاريع غير قانونية في الضفة الغربية. وعلى المنوال ذاته، ذهب مسؤولون آخرون في حكومته إلى أن الأوروبيين يحاولون النيل من سيادة إسرائيل والإساءة لصورتها الدولية.

عطفاً على هذه المغاضبة الإسرائيلية، انتصر الأوروبيون لسفيرهم، وأشاروا في بيان اتحادي إلى أن نقاشاته مع النواب الإسرائيليين لا تخرج عن تقاليدهم «حيث يقوم سفراء الاتحاد بحوارات مع جميع الأطياف السياسية في برلمانات العالم، من دون استثاء إسرائيل وأنهم يتدخلون أحياناً في مبادرات لدول شريكة».

التناظر المحموم بين بعض الأوروبيين والإسرائيليين، بشأن معاني القانون الإسرائيلي سيىء الذكر وتداعياته الحقوقية والسياسية، لم تتوقف حتى ساعتنا هذه. وغالبا ما يفصح الأوروبيون عن شىء كثير من ضبط النفس؛ وهم يشهدون بأم أعينهم الشريك؛ الذي أسَّسوا لوجوده وأمدوه بأسباب الحياة والقوة، وهو يتنكر لأفضالهم ويرفع في وجوههم لواء السيادة والعزة الوطنية. والأهم أن هذا الشريك الجاحد يغفل، عمداً على الأرجح، كبف توسَّل عند النشأة والتأسيس بأنه سيكون في محيطه «الشرق أوسطي» ممثلاً للقيم والمثل والمبادئ الغربية الأوروبية. وهو ادعاء مازال يردده صهاينة وإسرائيليو وقتنا الحالي.

ينص قانون القومية على أن «حق تقرير المصير في إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة الموجبة للمواطنة هي لليهود فقط؛ والقدس الكبرى الموحدة عاصمة لإسرائيل؛ والتقويم العبري هو تقويمها الرسمي والعبرية لغتها الرسمية؛ فيما العربية لها مكانة خاصة للمتحدثين بها».

 وهكذا يتم استبعاد السكان الأصليين العرب الفلسطينيين، وهم زهاء خُمس سكان إسرائيل، من سياق المواطنة الحقة على أرضية الاختلاف العرقي والقومي واللغوي والديني. أين هذه الوضعية من القيم والمثل وفلسفة الاجتماع السياسي الغربية؛ التي يزعم الصهاينة، والخشبة في عيونهم، أن دولتهم هي نموذجها في الربوع الشرق أوسطية؟ أغلب الظن أن استشعار الأوروبيين لانحراف هذا القانون بإسرائيل، بعيداً عن تصوراتهم وفلسفتهم لممارسة السياسة والحكم، هو ما أثار حفيظتهم وتحفظاتهم عليه. يتجلى هذا الفهم تماماً في طيَّات مقاربتهم لهذا المستجد؛ «نحن نقدر التزام اسرائيل بالقيم المشتركة القائمة على الديموقراطية وحقوق الإنسان، لكننا لا نريد أن نرى هذه القيم عرضة للخطر أو أنها مثار شكوك».

 بهذه المقاربة اللطيفة الحانية، يكاد لسان حال الأوروبيين ينطق برغبتهم في حماية نخب الحكم والسياسة الصهيونية من الغلو في إبداء حقيقتهم العنصرية؛ الأمر الذي يصعب الدفاع عنه.

ولو كانت نيتهم التشهير بهذه النخب وفضح معتقداتها وسياساتها، لتم رميها بالعنصرية والتمييز العنصري بلا مواربة، حتى من قبل صدور القانون المنكود. ذلك أن الأوروبيين وسواهم من الخلق، على دراية بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وما يمارس في سياقه من عصيان صريح لكل المعايير القانونية الدولية، ناهيك عن مخالفته لثوابت المثل الديموقراطية في طبعتها الغربية على جانبي الأطلسي.

من غرائب سلوك الإسرائيليين، أنهم ينسبون أنفسهم وكينونتهم الفكرية والنظامية السياسية إلى عالم الأوروبيين والفقه الديموقراطي، بينما ينتفضون ضد هذا العالم إذا ما لفت انتباههم إلى مجافاتهم لأصول هذا النسب وشروطه. ونحسب أن هذا المشهد، حيث لا يقابل التطرف العنصري الإسرائيلي سوى بالقلق والعتب الأوروبي، فيما تمضي العلاقات الحميمة بين الطرفين في أعنتها، أمر عبثي بامتياز.

القصد، أن الأوروبيين ما كانوا يعالجون تجرؤ أي دولة على التمييز العنصري بين مواطنيها، بمجرد التعبير باستحياء عن القلق كما يفعلون مع إسرائيل. ولو كانت هذه الدولة المارقة من أعضاء الاتحاد، فلربما فصلوها من ملتهم الاتحادية حتى ترجع عن غيها. وللانصاف، فإن بعض نشطاء الفضاء السياسي والحقوقي الأوروبي يدافعون عن هذا المعنى تماماً؛ ومنهم البرلمانية الإيرلندية مارتينا أندرسون؛ التي صرَّحت أخيراً بأن «الاتحاد الأوروبي يمكنه عمل الكثير لإنهاء مظاهر العنصرية في إسرائيل، غير إبداء القلق، كالاعتراف الكامل بدولة فلسطين وتوفير مقومات حل الدولتين». وهذا لعمرك عين المطلوب إثباته