رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي".. سفر إلى الماضي‎
نشر بتاريخ: 2021/07/31 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 19:16)

يقدم المفكر والكاتب المغربي عبدالفتاح كليطو، سردا يعتمد على الحدث الغريب، والشطحات الخيالية، حيث السفر إلى بلاد العجائب، ومخالطة الجنيات، في روايته الفلسفية الفانتازية ”والله إن هذه الحكاية لحكايتي“ والمقسّمة إلى خمسة فصول، وهي: ”نورا على السطح“، ”أبو حيَّان التوحيدي“، ”قَدَر المفاتيح“، ”هي أنتِ، وليست أنتِ“، و“خطأ القاضي ابن خَلّكان“ الرواية الصادرة عن منشورات المتوسط 2021.

ويعتمد كليطو على عوامل الجذب للسرد الروائي منذ الحدث الأول، حيث تبدأ رحلته بحدث فانتازي، حيث تقدم نورا على الطيران مع ولديها، بعد ارتدائها معطف الريش، إلا أنها وبسبب سذاجتها تبوح بسر المعطف فتفقد قيمته.

ويقوم الكاتب بدمج سردي ما بين قصة نورا وقصة الحسن البصري، حيث دفعه حبّه للجنية، لسرقة ثوب الريش منها، بعد عبورها للاستحمام في النهر. فيما يواصل الكاتب كليطو إثارة دوافع الفضول لاكتشاف أسرار التداخل السردي بين القصتين، بالتناوب، من خلال إضفاء الغموض على مسار الأحداث، هذا التداخل يشبه أن يحلم الإنسان بشخصيات من الماضي، أو شخصيات لم يشاهدها من قبل، هذا التقاطع ما بين الخيال والواقع، تشدنا نحوه خيوط السرد حتى نهاية العمل.

ويضيف كليطو إلى مسرحه السردي شخصية حسن ميرو، زوج نورا، حيث يعمل على أطروحة دكتوراة محورها أبو حيان التوحيدي وكتبه المفقودة، أو غير المقروءة، حيث تجمعهما علاقة محبوكة بعناية ولامعة، فتشتمل على الحوار المعرفي والأدبي الناضج، والمؤدي إلى المزيد من التحليلات للنص.

وأظهر المخزن السردي عند كليطو، مدى اتساع خبراته المعرفية، وعمق استدراكاته الفلسفية، والقدرة اللافتة لديه لإدماج هذا في السرد دون تكلف أو حشو.

حيث يستعيد الكاتب أسماء قصص وحكايات للجاحظ والتوحيدي، بما يعلق في العقل من كتب التراث، والقناعات الشعبية، كما ويستخدم كليطو جواهر التراث الشعبي الراسخة المتواجدة في قصص ”ألف ليلة وليلة“، حيث يتماهى كليطو مع شهريار في استماعه لإحدى القصص، مُقسِما أن هذه الحكاية حكايته!

إن اعتماد كليطو فكرة القَسَم في عنوان الرواية المتسم بالغرابة أيضا، يدلل على أن الكاتب يدرس جيدا نفسية المواطن العربي، الذي يميل إلى حلف اليمين في معظم يومياته، فأراد الكاتب الانتفاع من هذا السلوك.

يُكتب على غلاف الكتاب:

في الليلة الواحدة بعد الألف قرَّرت شهرزاد، وبدافع لم يُدرَك كنهه، أن تحكي قصَّة شهريار تمامًا كما وردت في بداية الكتاب. ما يثير الاستغراب على الخصوص أنه أصغى إلى الحكاية، وكأنها تتعلَّق بشخص آخر، إلى أن أشرفت على النهاية، وإذا به ينتبه فجأة إلى أنها قصَّته هو بالذات، فصرخَ: والله، هذه الحكاية حكايتي، وهذه القصَّة قصَّتي“.

 

هذا الدمج المحسوب من كليطو، ينقل المتلقي إلى منطقة غائرة من التحليل والأسئلة الوجودية، والفلسفية، التي تخرج عن مسار السرد البسيط، إلى التساؤل المركّب.

لغة بسيطة

ويتسم المشهد السردي عند كليطو بالوضوح والإلمام بإطارات وعناصر وتفاصيل الحركات والأجسام، وكأنما كاميرا ماسحة للتركيب تتحرك في جوانب وأعلى المكان، لتنقل الحدث.

وعلى الرغم من زخم المكونات الأساسية في سرده، وغرابة الفكرة، واعتمادها على الابتعاد في التخييل، إلا أن اللغة لديه، تعتمد على البساطة والتسلسلية، إذ تتنقل الأفكار من فقرة لأخرى ومن فصل لآخر، مع الاحتفاظ بأدوات التشويق والفضول للحدث المستقبلي.

كما وتتميز الفكرة السردية عند الكاتب بالغوص في الأنا الإنساني، واكتشاف المخفي فيه، بطبيعة الإنسان المونولوجية عبر الأسئلة الأزلية مع الوجود. كما ويصمم كليطو حواريات تُبْطن في مضمونها فلسفة، تفتح على معانٍ غير مألوفة، ويبين خلال تجربته، نزعة الإنسان الفضولية إلى المعرفة بتعقبها، بل والتورط فيها.

"إرم"